التفاسير

< >
عرض

وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ ٱلْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ ٱلْحُسْنَىٰ لاَ جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ ٱلْنَّارَ وَأَنَّهُمْ مُّفْرَطُونَ
٦٢
-النحل

الدر المصون

قوله تعالى: { أَلْسِنَتُهُمُ ٱلْكَذِبَ }: العامَّةُ على أنَّ "الكذبَ" مفعولٌ به، و{ أَنَّ لَهُمُ ٱلْحُسْنَىٰ } بدلٌ منه بدلُ كلٍ مِنْ كل، أو على إسقاط الخافض، أي: بأنَّ لهم الحسنى.
وقرأ الحسن "أَلْسِنَتْهُمْ" بسكونِ التاءِ تخفيفاً، وهي تُشْبه تسكينَ لامِ
{ { بَلَىٰ وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ } [الزخرف: 80]، وهمزة "بارِئْكم" ونحوه.
والأَلْسِنَةُ جمع "لِسان" مراداً به التذكير فجُمِع كما يُجْمَعُ فِعال المذكر نحو: حِمار وأَحْمِرة، وإذا أُريد به التأنيثُ جُمِعَ جمعَ أفْعُل كذِراع وأَذْرُع.
وقرأ معاذ بن جبل "الكُذُبُ" بضمِّ الكاف والذال ورفعِ الباء، على أنه جَمْعُ كَذُوب كصَبُور وصُبُر، وهو مقيسٌ، وقيل: جمع كاذِب نحو: شارِف وشُرُف، كقولها:

3988- ألا يا حَمْزُ للشُّرُفِ النَّواءِ ………......................

لكنه غيرُ مقيسٍ، وهو حينئذٍ صفةٌ لـ "ألسنتهم"، وحينئذٍ يكون { أَنَّ لَهُمُ ٱلْحُسْنَىٰ } مفعولاً به. وقد تقدَّم الكلامُ في "لا جَرَمَ" مستوفى في هود.
قوله: { وَأَنَّهُمْ مُّفْرَطُونَ } قرأ نافع بكسرِ الراءِ اسمَ فاعلٍ مِنْ أَفْرَطَ إذا تجاوَزَ، فالمعنى: أنهم يتجاوزون الحَدَّ في معاصي الله تعالى. فأفْعَلَ هنا قاصرٌ. والباقون بفتحها اسمَ مفعولٍ مِنْ أَفْرَطْتُه، وفيه معنيان، أحدُهما: أنَّه مِنْ أَفْرطته خلفي، أي: تركتُه ونَسِيْتُه، حكى الفراء أنَّ العرب تقول: أَفْرِطْتُ منهم ناساً، أي: خَلَّفْتُهم، والمعنى: أنهم مَنْسِيًّون متروكون في النار. والثاني: أنه مِنْ أَفْرَطْتُه، أي: قَدَّمْتُه إلى كذا، وهو منقولٌ بالهمزة مِنْ فَرَط إلى كذا، أي: تقدَّم إليه، كذا قال الشيخ، وأنشد للقطامي:

2989- واسْتَعْجَلُونْا وكانوا مِنْ صحابَتِنا كما تَعَجَّلَ فُرَّاطٌ لِوُرَّادِ

فَجَعَلَ "فَرَط" قاصراً و"أفرط" منقولاً. وقال الزمخشري: "بمعنى يتقدَّمون إلى النار، ويتعجَّلون إليها، مِنْ أَفْرَطْتُ فلاناً وفَرَطْتُه إذا قدَّمته إلى الماء"، فجعل فَعَل وأفْعَل بمعنى، لا أن أَفْعل منقولٌ مِنْ فَعَل، والقولان محتملان، ومنه "الفَرَطُ"، أي: المتقدم. قال عليه السلام: "أنا فَرَطُكم على الحوض" ، أي: سابِقُكم. ومنه "واجعله فَرَطاً وذُخْراً"، أي: متقدِّماً بالشفاعةِ وتثقيلِ الموازين.
وقرأ أبو جعفر - في روايةٍ - "مُفَرِّطون" بتشديدِ الراءِ مكسورةً مِنْ فَرَّط في كذا: أي: قَصَّر، وفي روايةٍ، مفتوحةً، مِنْ فَرَّطته مُعَدَّى بالتضعيفِ مِنْ فَرَط بالتخفيف، أي: تَقَدَّم وسَبَقَ.
وقرأ عيسى بن عمر والحسن "لا جَرَمَ إنَّ لهم النارَ وإنهم" بكسرِ "إنَّ فيهما على أنَّها جوابُ قسمٍ أَغْنَتْ عنه "لا جَرَمَ".