التفاسير

< >
عرض

وَكَذٰلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَآءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ كَم لَبِثْتُمْ قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُواْ رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَٱبْعَثُواْ أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَـٰذِهِ إِلَىٰ ٱلْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَآ أَزْكَىٰ طَعَاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلاَ يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً
١٩
-الكهف

الدر المصون

قوله: { وَكَذٰلِكَ بَعَثْنَاهُمْ }: الكافُ نعتٌ لمصدرٍ محذوفٍ، أي: كما أَنَمْناهم تلك النَّوْمَةَ كذلك بَعَثْناهم ادِّكاراً بقُدرتِه. والإِشارةُ بـ"ذلك" إلى المصدرِ المفهومِ مِنْ قوله "فَضَرَبْنا"، أي: مثلَ جَعْلِنا إنامتَهم هذه المدة المتطاولةَ آيةً جَعَلْنا بَعْثَهم آيةً. قاله الزجاج والزمخشري.
قوله: "ليتساءَلُوا" اللامُ متعلقةٌ بالبعث، فقيل: هي للصَّيْرورة، لأنَّ البَعْثَ لم يكنْ للتساؤلِ. قاله ابنُ عطيةَ. والصحيحُ أنَّها على بابِها مِن السببية.
قوله: { كَم لَبِثْتُمْ } "كم" منصوبةٌ على الظرف، والمُمَيِّزُ محذوفٌ، تقديرُه: كم يوماً، لدلالةِ الجواب عليه. و"أَوْ" في قولِه: "أو بعضَ يوم" للشكِّ فيهم، وقيل: للتفصيل، أي: قال بعضُهم كذا وبعضُهم كذا.
قوله: "بِوَرِقِكم" حال ِمنْ "أحدَكم"، أي: مصاحباً لها، وملتبساً بها. وقرأ أبو عمروٍ وحمزةُ وأبو بكر بفتحِ الواوِ وسكونِ الراءِ والفَكِّ. وباقي السبعة بكسر الراء، والكسرُ هو الأصلُ، والتسكينُ تحفيفٌ كـ"نَبْق" في نَبِق. وحكى الزجاج كسرَ الواوِ وسكونِ الراء وهو نَقْلٌ، وهذا كما يقال: كَبِدْ وكَبْد وكِبْد.
وقرأ أبو رجاء وابن محيصن كذلك، إلا أنه بإدغام القاف. واستضعفوها مِنْ حيث الجمعُ بين ساكنين على غير حَدِّيهما وقد تقدَّم لك في المتواترِ ما يُشبه هذه مِنْ نحوِ { فَنِعِمَّا }
{ { لاَ تَعْدُّواْ فِي ٱلسَّبْتِ } [النساء: 154]... ورُوِيَ عن ابنِ محيصن أنَّه أَدْغَمَ كسرَ الراءَ فِراراً مِمَّا ذَكَرْتَ.
وقرأ أميرُ المؤمنين "بوارِقِكم" اسمَ فاعلٍ، أي: صاحب وَرِقٍ كـ"لابِن". وقيل: هو اسمُ جمعٍ كجاملٍ وباقر.
والوَرِقُ: الفِضَّةُ المضروبةُ. وقيل: الفضةُ مطلقاً. ويقال لها: "الرِّقَةُ" بحذفِ الفاء. وفي الحديث:
"في الرِّقَةِ رُبْع العُشْر" وجُمعت شذوذاً جَمْعَ المذكرِ السالم، قالوا: "حُبُّ الرِّقَيْنِ يغطِّي أَفْن الأَفِين".
قوله: أيُّها أَزْكَى: يجوز في "أيّ" أن تكونَ استفهاميةً، وأن تكونَ موصولةً. وقد عَرَفْتَ ذلك ممَّا تقدَّم لك في قوله:
{ { أَيُّهُم أَحْسَنُ عَمَلاً } [الكهف: 7] فالعملُ واحدٌ. ولا بد مِنْ حذفٍ: "أيُّ أهْلِها أزْكَى". وطعاماً: تمييز. وقيل: لا حَذْفَ، والضميرُ على الأطعمة المدلول عليها من السياق.
قوله: "ولِيَتَلَطَّفْ" قرأ العامَّةُ بسكونِ لامِ الأمر، والحسنُ بكسرِها على الأصل. وقتيبة المَيَّال "ولِيَتَلَطَّفْ" مبنياً للمفعول. وأبو جعفر وأبو صالحٍ وقتيبة "ولا يَشْعُرَن" بفتحِ الياءِ وضمِّ العين، "أحدٌ" فاعلٌ به.