التفاسير

< >
عرض

وَٱضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا كَمَآءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ ٱلسَّمَاءِ فَٱخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ ٱلأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ ٱلرِّياحُ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِراً
٤٥
-الكهف

الدر المصون

قوله: { كَمَآءٍ }: فيه ثلاثةُ أوجه، أحدُها: أن تكونَ خبرَ مبتدأ مضمرٍ، فقدَّره ابنُ عطية هي: أي: الحياة الدنيا. والثاني: أنه متعلقٌ بمعنى المصدر، أي: ضرباً كماء. قاله الحوفي. وهذا بناءً منهما على أن "ضَرَب" هذه متعديةٌ لواحدٍ فقط. والثالث: أنه في موضعِ المفعول الثاني لـ"اضْرِبْ" لأنها بمعنى صَيَّرَ. وقد تقدَّم.
قال الشيخ بعدما نقل قولَيْ ابن عطية والحوفي: "وأقولُ: إنَّ "كماء" في موضعِ المفعولِ الثاني لقولِه "واضربْ"، أي: وصَيِّرْ لهم مَثَلَ الحياة، أي: صفتَها شبهَ ماء". قلت: وهذا قد سبقه إليه أبو البقاء.
و"أَنْزَلَناه" صفةٌ لـ"ماء".
قوله: { فَٱخْتَلَطَ بِهِ } يجوز في هذه الباءِ وجهان أحدهما: أن تكونَ سببيةً. الثاني: أَنْ تكونَ معدِّية. قاله الزمخشري: "فالتفَّ بسببِه وتكاثف حتى خالط بعضُه بعضاً. وقيل: نَجَعَ الماءُ في النبات حتى رَوِيَ ورَفَّ رَفِيْفاً. وكان حقُّ اللفظِ على هذا التفسيرِ: فاختلط بنباتِ الأرضِ. ووجه صحتِه: أنَّ كلَّ مختلطَيْنِ موصوفٌ كلُّ واحدٍ منهما بصفةِ الآخرَ".
قوله: { فَأَصْبَحَ هَشِيماً } "أصبح" يجوزُ أَنْ تكونَ على بابِها؛ فإنَّ أكثرَ ما يَطْرُقُ مِن الآفاتِ صباحاً، كقولِه:
{ { فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ } [الكهف: 42] ويجوز أَنْ تكونَ بمعنى صار مِنْ غير تقيُّدٍ بصَباحٍ كقوله:

3167- أَصْبَحْتُ لا أَحْمِلُ السلاحَ ولا اَمْلِكُ رَأْسَ البعيرِ إنْ نَفَرا

والهَشِيمُ: واحدُه هَشِيْمَة وهو اليابس. وقال الزجاج وابن قتيبة: كل ما كان رطباً فَيَبِسَ. ومنه { { كَهَشِيمِ ٱلْمُحْتَظِرِ } [القمر: 31]. ومنه: هَشَمْتُ الفتَّ. ويقال: هَشَمَ الثَّريدَ: إذا فَتَّه.
قوله: "تَذْرُوْه" صفةٌ لـ"هَشيماً" والذَّرْوُ: التفريقُ، وقيل: الرفْعُ.
قوله: "تَذَرُوْه" بالواو. وقرأ عبد الله "تَذْرِيه" من االذَّرْي، ففي لامه لغتان: الواوُ والياءُ. وقرأ ابنُ عباس "تُذْرِيه" بضم التاء من الإِذْراء. وهذه تحتمل أَنْ تكونَ من الذَّروِ وأَنْ تكونَ من الذَّرْيِ. والعامَّةُ على "الرياح" جمعاً. وزيد بن علي والحسن والنخعي في آخرين "الرِّيحُ" بالإِفراد.