التفاسير

< >
عرض

أَمَّا ٱلسَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي ٱلْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَآءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً
٧٩
-الكهف

الدر المصون

قوله: { لِمَسَاكِينَ }: العامَّةُ على تخفيفِ السِّين، جمعَ "مِسْكين". وقرأ عليَّ أميرُ المؤمنين - كرَّم الله وجهَه - بتشديدِها جمع "مَسَّاك". وفيه قولان، أحدُهما: أنه الذي يُمْسِك سكان السفينة. وفيه بعضُ مناسبة. والثاني: أنه الذي يَدْبَغُ المُسُوك جمعَ "مَسْك" بفتح الميم وهي الجُلود. وهذا بعيدٌ، لقولِه { يَعْمَلُونَ فِي ٱلْبَحْرِ }. ولا أظنُّها إلا تحريفاً على أمير المؤمنين. و"يَعْملون" صفةٌ لمساكين.
قوله: { وَرَآءَهُم مَّلِكٌ } "وراء" هنا قيل: يُراد بها المكانُ. وقيلَ: الزمانُ. واخْتُلِف/ أيضاً فيها: هل هي على حقيقتِها أو بمعنى أمام؟ وأنشدوا على هذا الثاني:

3189- اليس ورائي أَنْ أَدِبَّ على العَصا فَيَأْمَنَ أعدائي ويَسْأَمَني أَهْلي

وقولَ لبيد:

3190- أليس ورائي إنْ تراخَتْ مَنِيَّتي لُزومُ العَصا تُحْنَى عليها الأصابعُ

وقول سَوَّار بن المُضَرِّبِ السَّعْدي:

3191- أَيَرْجُو بنو مروانَ سَمْعي وطاعتي وقومي تميمٌ والفلاةُ ورائيا

ومثله قولُه تعالى: { { مِّن وَرَآئِهِ جَهَنَّمُ } [إبراهيم: 16]، أي: بين يديه.
قوله: "غَصْباً" فيه أوجهٌ، أحدُها: أنه مصدرٌ في موضعِ الحال، أو منصوبٌ على المصدرِ المبيِّنِ لنوعِ الأَخْذِ، أو منصوبٌ على المفعولِ له. وهو بعيدٌ في المعنى. وادَّعى الزمخشري أنَّ في الكلامِ تقديماً وتأخيراً فقال: "فإنْ قلتَ: قولُه"فَأَرَدْتُ أَنْ أعيبَها" مُسَبَّبٌ عن خوفِ الغَصْبِ عليها فكان حقُّه أن يتأخرَ عن السبب فلِمَ قُدِّم عليه؟ قلت: النيةُ به التأخيرُ، وإنما قُدِّمَ للعنايةِ به، ولأنَّ خَوْفَ الغَصبِ ليس هو السببَ وحدَه، ولكن مع كونِها للمساكينِ، فكان بمنزلةِ قولِك: زيدٌ ظنَِّي مقيمٌ".