التفاسير

< >
عرض

قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يٰإِبْرَاهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ وَٱهْجُرْنِي مَلِيّاً
٤٦
-مريم

الدر المصون

قوله تعالى: { أَرَاغِبٌ أَنتَ }: يجوز فيه وجهان، أحدُهما: أَنْ يكون "راغبٌ" مبتدأً لاعتمادِه على همزةِ الاستفهام، و"أنت" فاعلٌ سَدَّ مَسَدَّ الخبر. والثاني: أنه خبر مقدمٌ، و"أنت" مبتدأ مؤخر ورُجِّح الأولُ بوجهين، أحدهما: أنه ليس فيه تقديمٌ ولا تأخير؛ إذ رتبهُ الفاعلِ التأخيرُ عن رافعِه. والثاني أنه لا يلزم فيه الفصلُ بين العاملِ ومعمولِه بما ليس معمولاً للعامل؛ وذلك لأنَّ { عَنْ آلِهَتِي } متعلقٌ بـ"راغِبٌ"، فإذا جُعل "أنت" فاعلاً فقد فُصِل بما هو كالجزءِ من العامل، بخلافِ جَعْلِه خبراً فإنه أجنبي إذ ليس معمولاً لـ"راغبٌ".
قوله: "مَلِيَّاً" في نصبه ثلاثةُ أوجهٍ، أحدها: أنه منصوبٌ على الظرفِ الزماني، أي: زمناً طويلاً، ومنه "المَلَوان" للَّيلِ والنهارِ، وَمَُِلاوةُ الدَّهْر بتثليث الميم قال:

3240- فَعُسْنا بها من الشَّبابِ مَلاوةً فالحجُّ آيات الرسولِ المحبِّبِ

وأنشد السدِّي على ذلك لمهلهل:

3241- فتصَدَّعَتْ صُمُّ الجِبالِ لمَوْتِه وبَكَتْ عليه المُرْمِلاتُ مَلِيَّا

والثاني: أنه منصوبٌ على الحال معناه: سالماً سَويَّاً. كذا فسَّره ابن عباس: فهو حالٌ مِنْ فاعلِ "اهْجُرْني"، وكذلك فَسَّره ابنُ عطيةَ قال: "معناه: مُسْتَبداً، أي: غنيَّاً من قولهم هو مَلِيٌّ بكذا وكذا". قال الزمخشري: "أي: مُطيقاً" والثالث: أنه نعت لمصدر محذوف، أي: هَجْراً مَلِيَّاً يعني: واسعاً متطاولاً كتطاول الزمان الممتد.