التفاسير

< >
عرض

أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَداً
٩١
-مريم

الدر المصون

قوله: { أَن دَعَوْا }: في محلِّه خمسةُ اوجه، أحدها: أنه في محلِّ نصبٍ على المفعولِ مِنْ أجله. قاله أبو البقاء والحوفي، ولم يُبَيِّنا: ما العاملُ فيه؟ ويجوز أَنْ يكونَ العاملُ "تكاد" أو "تَحِزُّ" أو "هَدَّاً" أي: تَهِدُّ لأَنْ دَعَوْا، ولكنَّ شَرْطَ النصبِ فيها مفقودٌ وهو اتِّحادُ الفاعلِ في المفعولِ له والعاملِ فيه، فإن عَنَيَا أنه على إسقاطِ اللامِ - وسقوطُ اللامِ يَطَّرِدُ مع أنْ - فقريبٌ. وقال الزمخشري: "وأَنْ يكونَ منصوباً بتقديرِ سقوطِ اللام وأفضاءِ الفعلِ، أي: هدَّاً لأَنْ دَعَوْا، عَلَّلَ الخرورَ بالهدِّ، والهدِّ بدعاءِ الوَلَدِ للرحمن". فهذا تصريحٌ منه بأنَّه على إسقاطِ الخافضِ، وليس مفعولاً له صريحاً.
الوجه الثاني: أَنْ يكونَ مجروراً بعد إسقاطِ الخافض، كما هو مذهبُ الخليلِ والكسائي.
والثالث: أنه بدلٌ من الضمير في "مِنْه" كقولِه:

3261- على حالةٍ لو أنَّ في القومِ حاتماً على جودِهِ لضَنَّ بالماءِ حاتِمِ

بجر "حاتم" الأخير بدلاً من الهاء في "جودِه". قال الشيخ: "وهو بعيدٌ لكثرةِ الفصلِ بين البدلِ والمبدلِ منه بجملتين".
الوجه الرابع: أَنْ يكونَ مرفوعاً بـ"هَدَّاً". قال الزمخشري أي: هَدَّها دعاءُ الولدِ للرحمن". قال الشيخ: "وفيه بُعْدٌ لأنَّ الظاهرَ في "هَدَّاً" أن يكونَ مصدراً توكيدياً، والمصدرُ التوكيديُّ لا يعملُ، ولو فَرَضْناه غيرَ توكيديّ لم يَعْمَلْ بقياسٍ إلا إنْ كان أمراً أو مستفهماً عنه نحو: "ضَرْباً زيداً" و"أضَرْباً زيداً" على خلافٍ فيه. وأمَّا إنْ كان خبراً، كما قدَّره الزمخشري "أي: هَدَّها دعاءُ الوَلَدِ للرحمن" فلا يَنْقاس، بل ما جاءَ من ذلك هو نادرٌ كقولِ امرِئ القيس:

3262- وُقوفاً بها صَحْبِيْ عليَّ مطيَّهم يقولون: لا تَهْلَِكَ أَسَىً وتجمَّلِ

أي: وقف صحبي.
الخامس: أنه خبرُ مبتدأ محذوفٍ تقديرُه: المٌوْجِبُ لذلك دعاؤهم، كذا قَدَّره أبو البقاء.
و"دَعا" يجوزُ أَنْ يكونَ بمعنى سَمَّى فيتعدَّى لاثنين، ويجوز جَرُّ ثانيهما بالباءِ. قال الشاعر:

3263- دَعَتْنِي أخاها أمُّ عمروٍ ولم أكنْ أخاها ولم أَرْضَعْ بلَبانِ

دَعَتْني أخاها بعد ما كان بينَنا من الفعلِ ما لا يَفْعَلُ الأَخَوانِ

وقول الآخر:

3264- ألا رُبَّ من يُدْعَى نَصيحاً وإنْ يَغِبْ تَجِدْه بغَيْبٍ منكَ غيرَ نَصِيْحِ

وأوَّلُهما في الآية محذوفٌ. قال الزمخشري: "طلباً للعموم والإِحاطة بكلِّ ما يُدْعَى له ولداً. ويجوز أن يكونَ مِنْ "دعا" بمعنى نَسَبَ الذي مُطاوِعُه ما في قولِه عليه السلام "مَنِ ادَّعَى إلى غير مَوالِيه" وقول الشاعر:

3265- إنَّا بني نَهْشَلٍ لا نَدَّعِيْ لأَبٍ عنه ولا هو بالأَبْناءِ يَشْرِيْنا

أي: لا نَنْتَسِبُ إليه.