التفاسير

< >
عرض

أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ
١٠٧
-البقرة

الدر المصون

قوله تعالى: { أَلَمْ تَعْلَمْ }: هذا استفهامٌ معناهُ التقريرُ، فلذلك لم يَحَتَجْ إلى معادِلٍ يُعْطَفُ عليه بـ"أم"، وأَمْ في قولِه: "أم تُريدون":
قوله تعالى: { لَهُ مُلْكُ } ... يجوزُ في "مُلْك" وجهان، أحدُهما أنَّه مبتدأٌ وخبرُه مُقَدَّمِ عليه، والجملةُ في محلَّ رفعٍ خبرٌ لـ"أنَّ". والثاني: أنه مرفوعٌ بالفاعليةِ، رَفَعَه الجارُّ قبله عند الأخفش، لا يقال: إنَّ الجارَّ هنا قد اعتمد لوقوعِه خبراً لـ"أَنَّ"، فيرفعُ الفاعلَ / عند الجميع، لأنَّ الفائدة لم تتمَّ به فلا يُجْعَلُ خبراً. والمُلْكُ بالضمِّ الشيءُ المَمْلوك، وكذلك هو بالكسرِ، إلا أنَّ المضمومَ لا يُسْتَعْمَل إلا في مواضِع السَّعَةِ وبَسْطِ السُّلْطانِ.
قوله: { وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِن وَلِيٍّ } يجوزُ في "ما" وجهان، أحدُهما: كونُهما تميميَّةً فلا عَمَلَ لها فيكونُ "لكم" خبراً مقدماً، و "مِنْ وليّ" مبتدأً مؤخراً زيدت فيه "مِنْ" فلا تعلُّقَ لها بشيءٍ. والثاني: أن تكونَ حجازيةً وذلك عند مَنْ يُجيز تقديمَ خبرِها ظرفاً أو حرفَ جرٍّ، فيكونُ "لكم" في محلِّ نصبٍ خبراً مقدَّماً، و "مِنْ وليّ" اسمها مؤخراً، و "مِنْ" فيه زائدةٌ أيضاً، و { مِّن دُونِ ٱللَّهِ } فيه وجهان، أحدُهما أنَّه متعلِّقٌ بما تَعَلَّقَ به "لكم" من الاستقرارِ المقدَّرِ، و "مِنْ" لابتداءِ الغاية. والثاني: أنَّه في محلِّ نصبٍ على الحالِ من قوله: { مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ } لأنَّه في الأصلِ صفةٌ للنكرةِ، فلمَّا قُدِّم عليها انتصَبَ حالاً، قاله أبو البقاء. فعلى هذا يتعلَّقُ بمحذوفٍ غيرِ الذين تعلَّق به "لكم". ولا نصير" عطفٌ على لفظِ "ولي" ولو قُرِىءَ برفعِهِ على الموضِع لكان جائزاً. وأتى بصيغة فَعيل في "وليَّ" و "نَصير" لأنها أَبْلَغُ من فاعل، ولأنَّ "وليَّاً" أكثرُ استعمالاً من "والٍ" ولهذا لم يَجِيءْ في القرآن إلا في سورةِ الرعدِ، وأيضاً لتواخي الفواصلِ وأواخرِ الآي. وفي قولِه "لكم" انتقالٌ من خطابِ الواحدِ لخطابِ الجماعةِ، وفيه مناسَبَةٌ، وهو أنَّ المنفيَّ صار نَصَّاً في العمومِ بزيادةِ "مِنْ" فناسَبَ كونَ المَنْفِيِّ عنه كذلكَ فجُمِعَ لذلك.