التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَنْفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَٰكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ وَٱلْكَٰفِرُونَ هُمُ ٱلظَّٰلِمُونَ
٢٥٤
-البقرة

الدر المصون

قوله تعالى: { أَنْفِقُواْ }: مفعولُه محذوفٌ، تقديرُه: شيئاً ممَّا رزقناكم فعلى هذا "ممَّا رزقناكم" متعلقٌ بمحذوفٍ في الأصل لوقوعِه صفةٌ لذلك المفعولِ، وإنْ لم تقدِّرْ مفعولاً محذوفاً فتكونُ متعلقةً بنفسِ الفعلِ.
و "ما" يجوزُ أَنْ تكونَ بمعنى الذي، والعائدُ محذوفٌ أي: رزقناكُموه، وأن تكونَ مصدريةً فلا حاجةَ إلى عائدٍ، ولكن الرزقَ المرادَ به المصدرُ لا يُنفقُ، فالمراد به اسمُ المفعول، وأن تكونَ نكرةً موصوفةً وقد تقدَّم تحقيقُ هذا عند قولِه:
{ وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ } [البقرة: 3].
قوله: { مِّن قَبْلِ } متعلقٌ أيضاً بأنفِقوا، وجاز تعلُّقُ حرفين بلفظٍ واحدٍ بفعلٍ واحدٍ لاختلافِهما معنىً؛ فإنَّ الأولى للتبعيضِ والثانيةَ لابتداءِ الغايةِ، و "أَنْ يأتي" في محلِّ جرٍ بإضافة "قبل" إليه أي: من قبلِ إتيانه.
وقوله: { لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ } إلى آخره: الجملةُ المنفيَّةُ صفةٌ لـ"يوم" فمحلُّها الرفعُ. وقرأ/ "بَيْعٌ" وما بعدَه مرفوعاً منوناً نافع والكوفيون وابن عامر، وبالفتح أبو عمرو وابن كثير، وتوجيهُ ذلك، مذكورٌ في قوله:
{ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ } [البقرة: 197] فليُنْظر ثَمَّةَ.
والخُلَّة: الصداقة كأنها تتخلَّل الأعضاء، أي: تدخل خلالها، أي وَسْطَها.
والخُلَّة: الصديقُ نفسه، قال:

1030 ـ وكان لها في سالفِ الدهرِ خُلَّةً يُسارِقُ بالطَّرْفِ الخِباءَ المُسَتَّرا

وكأنه من إطلاقِ المصدرِ على العينِ مبالغةً، أو على حذفِ مضافٍ، أي: كان لها ذو خُلَّة. والخليلُ: الصديقُ لمداخَلَتِه إياك، ويَصْلُح أَنْ يكونَ بمعنى فاعل أو مفعول، وجَمْعُه "خُلاَّن"، وفُعْلان جمعُ فَعيل نُقِل في الصفات، وإنما يَكْثرُ في الجوامِدِ نحو: "رُغفانٍ. وقوله: "هم الظالمون" يجوز أن يكونَ "هم" فصلاً أو مبتدأً وما بعده خبرٌ، والجملةُ خبرُ الأولِ.