التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلصَّابِئِينَ وَٱلنَّصَارَىٰ وَٱلْمَجُوسَ وَٱلَّذِينَ أَشْرَكُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيامَةِ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ
١٧
-الحج

الدر المصون

قوله: { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ }: الآية فيها ثلاثةُ أوجه، أحدُها: أنَّ "إنَّ" الثانيةَ واسمَها وخبرَها في محلِّ رفع خبراً لـ"إنَّ" الأولى. قال الزمخشري: "وأُدْخِلَتْ "إنَّ" على كلِّ واحدٍ من جُزْأَي الجملةِ لزيادةِ التأكيدِ. ونحوُه قولُ جريرٍ:

3375ـ إنَّ الخليفةَ إنَّ اللهَ سَرْبلَه سِرْبالَ مُلْكٍ به تُرْجَى الخواتيمُ

قال الشيخ: "وظاهرُ هذا أنه شَبَّه البيتَ بالآيةِ، وكذلك قرنه الزَّجَّاج بالآية، ولا يتعيَّنُ أن يكونَ البيتُ كالآية؛ لأنَّ البيتَ يَحْتمل أَنْ يكونَ "الخليفةَ" خبرُه "به تُرْجَىٰ الخواتيمُ"، ويكونَ "إنَّ اللهَ سَرْبَله" جملةَ اعتراضٍ بين اسمِ "إنَّ" وخبرِها، بخلافِ الآيةِ، فإنه يتعيَّنُ قولُه: { إِنَّ ٱللَّهَ يَفْصِلُ }. وحَسَّنَ دخولَ "إنَّ" على الجملةِ الواقعةِ خبراً طولُ الفَصْلِ بينهما بالمعاطيف".
قلت: قوله: "فإنَّه يتعيَّنُ قولُه إن الله يَفْصِل" يعني أن يكونَ خبراً. ليس كذلك لأنَّ الآيةَ محتمِلةٌ لوجهين آخرين ذكرهما الناسُ. الأول: أن يكونَ الخبرُ محذوفاً تقديرُه: يفترقون يومَ القيامة ونحُوه، والمذكورُ تفسيرٌ له. كذا ذكره أبو البقاء. والثاني: أنَّ "إنَّ" الثانيةَ تكريرٌ للأولى على سبيلِ التوكيدِ. وهذا ماشٍ على القاعدة: وهو أنَّ الحرفَ إذا كُرِّرَ توكيداً أُعِيْدَ معه ما اتَّصل به أو ضميرُ ما اتَّصل به، وهذا قد أُعِيدَ معه ما أتَّصل به أولاً: وهي الجلالةُ المعظمةُ، فلم يتعيَّنْ أَنْ يكونَ قولُه: { إِنَّ ٱللَّهَ يَفْصِلُ } خبراً لـ"إنَّ" الأَوْلى كما ذُكر.
وقد تقدَّم تفسيرُ ألفاظِ هذه الآيةِ، إلاَّ المجوسَ. وهم قومٌ اختلف أهلُ العلمِ فيهم فقيل: قومٌ يعبدون النارَ. وقيل: الشمسَ والقمرَ. وقيل: اعتزلوا النصارى ولَبِسوا المُسُوْح. وقيل: أَخَذوا من دين النصارىٰ شيئاً، ومن دينِ اليهودِ شيئاً، وهم القائلونَ بأنَّ للعالم أصلين: نورٌ وظلمةٌ. وقيل: هم قومٌ يستعملون النجاساتِ، والأصل: نَجوس بالنونِ فأُبْدِلَتْ ميماً.