التفاسير

< >
عرض

هَـٰذَانِ خَصْمَانِ ٱخْتَصَمُواْ فِي رَبِّهِمْ فَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ ٱلْحَمِيمُ
١٩
-الحج

الدر المصون

قوله: { هَـٰذَانِ خَصْمَانِ }: الخَصْم في الأصل: مصدرٌ؛ ولذلك يُوحَّدُ ويذكَّرُ غالباً، وعليه قولُه تعالىٰ: { نَبَأُ ٱلْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُواْ } [ص: 21]. ويجوز أنْ يُثَنَى ويجمعَ ويؤنَّثَ، وعليه هذه الآيةُ. ولمَّا كان كلُّ خَصْمٍ فريقاً يَجْمَعُ طائفةً قال: "اختصَمُوا" بصيغةِ الجمع كقولِه: { وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱقْتَتَلُواْ } [الحجرات: 9] فالجمعُ مراعاةً للمعنىٰ.
وقرأ ابن أبي عبلة "اختصما" مراعاةً للفظِه وهي مخالفةٌ للسَّواد. وقال أبو البقاء: وأكثرُ الاستعمالِ توحيدُه فَمَنْ ثَنَّاه وجَمَعه حَمَله الصفات والأسماء، و"اختصموا" إنما جُمِعَ حملاً على المعنىٰ لأنَّ كلَّ خصمٍ [فريقٌ] تحته أشخاصٌ". وقال الزمخشري: "الخصم صفةٌ وُصِفَ بها الفوجُ أو الفريقُ فكأنه قيل: هذان فوجان أو فريقان مختصمان. وقوله: "هذان" للَّفظِ، و"اختصموا" للمعنى كقوله:
{ وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّىٰ إِذَا خَرَجُواْ } [محمد: 16] ولو قيل: هؤلاء خصمان أو اختصما جاز أن يُراد: المؤمنون والكافرون". قلت: إنْ عَنَىٰ بقوله: "إن "خَصْماً" صفةٌ" بطريقِ الاستعمال المجازي فمُسَلَّم؛ لأنَّ المصدرَ يكثرُ الوصفُ به، وإنْ أراد أنه صفةٌ حقيقةً فَخَطَؤُه ظاهرٌ لتصريِحهم بأن نحوَ "رجلٌ خصمٌ" مثل "رجلٌ عَدْل" وقوله: "هذان للفظِ" أي: إنما أُشير إليهم إشارةُ المثنى وإنْ كان في الحقيقة المرادُ الجمعَ، باعتبار لفظِ الفوجَيْن والفريقين ونحوهما. وقوله كقولِهم: { وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ } إلى آخره فيه نظرٌ؛ لأنَّ في تيك الآيةِ تقدَّمَ شيءٌ له لفظٌ ومعنىً، وهو "مَنْ"، وهنا لم يتقدَّمْ شيءٌ له لفظٌ ومعنىً. وقوله تعالى: { فِي رَبِّهِمْ } أي: في دين ربهم، فلا بُدَّ من حذف مضاف.
وقرأ الكسائيُّ ـ في روايةٍ عنه ـ "خِصمان" بكسر الخاء. وقوله: { فَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } هذه الجملةُ تفصيلٌ وبيانٌ لفصلِ الخصومة المَعْنِيِّ بقوله تعالىٰ:
{ إِنَّ ٱللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ } [الآية: 17] قال الزمخشري. وعلى هذا فيكونُ { هَـٰذَانِ خَصْمَانِ } معترضاً. والجملة مِنْ "اختصموا" حاليةٌ، وليست مؤكدةً؛ لأنها أخصُّ مِنْ مطلقِ الخصومةِ المفهومةِ من "خصمان".
وقرأ الزعفراني في اختياره "قُطِعَتْ" مخففَ الطاءِ. والقراءةُ المشهورةُ تفيدُ التكثيرَ، وهذه تحتمله.
قوله: { يُصَبُّ } هذه الجملةُ تحتمل أَنْ تكون خبراً ثانياً للموصول، وأن تكونَ حالاً من الضميرِ في "لهم"، وأن تكونَ مستأنفةً.