التفاسير

< >
عرض

لِّنُحْيِـيَ بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَآ أَنْعَاماً وَأَنَاسِيَّ كَثِيراً
٤٩
-الفرقان

الدر المصون

قوله: { لِّنُحْيِـيَ بِهِ }: فيه وجهان أظهرُهما: أنَّه متعلقٌ بالإِنزالَ. والثاني: ـ وهو ضعيفٌ ـ أنَّه متعلقٌ بـ"طَهورٍ". وقال الزمخشري: "فإنْ قلتَ: إنزالُ الماءِ موصوفاً بالطهارة، وتعليلُه بالإِحياءِ والسَّقْيِ يُؤْذِنُ بأنَّ الطهارةَ شرطٌ في صحةِ ذلك كما تقول: "حَمَلني الأميرُ على فَرَس جوادٍ لأَصِيْدَ عليه الوحشَ"، قلت: لَمَّا كان سَقْيُ الأناسيِّ مِنْ جملة ما أُنْزِل له الماءُ وُصِفَ بالطهارة إكراماً لهم وتَتْميماً للمِنَّةِ عليهم".
و"طَهُور" يجوز أَنْ يكونَ صفةَ مبالغةٍ منقولاً من طاهر, كقوله تعالى:
{ شَرَاباً طَهُوراً } [الإنسان: 21]، وقال:

3486ـ إلى رُجَّح الأَكْفالِ غِيْدٍ من الصِّبا عِذابِ الثَّنايا رِيْقُهُنَّ طَهُوْرُ

وأَنْ يكونَ اسمَ ما يُتَطَهَّرُ به كالسَّحُور، وأَنْ يكونَ مصدراً كالقَبول والوَلُوع. ووصفُ "بَلْدةً" بـ"مَيْت" وهي صفةٌ للمذكورِ لأنها بمعنى البلد.
قوله: { وَنُسْقِيَهِ } العامَّةُ على ضمِّ النونِ. وقرأ أبو عمرو وعاصم في روايةٍ عنهما وأبو حيوة وابنُ أبي عبلة بفتحها. وقد تقدم أنه قُرىء بذلك في النحل والمؤمنين. وتقدم كلامُ الناسِ عليهما.
قوله: { مِمَّا خَلَقْنَآ } يجوز أن تَتَعلَّقَ بـ"نُسْقيه"، وهي لابتداء الغاية. ويجوزُ أن تَتَعلَّق بمحذوفٍ على أنَّها حالٌ مِنْ "أنعاماً". ونُكِّرَتِ الأنعام والأناسيّ: قال الزمخشري: "لأنَّ عليَّةَ الناسِ وجُلَّهم مُنيخون بالأودية والأنهارِ، فبهم غُنْيَةٌ عن سقْي الماء، وأعقابُهم ـ وهم كثيرٌ منهم ـ لا يُعَيِّشهم إلاَّ ما يُنْزِلُ اللهُ مِنْ رحمتِه وسُقْيا سمائِه".
قوله: { وَأَنَاسِيَّ } فيه وجهان، أحدهما: وهو مذهبُ سيبويه أنَّه جمعُ إنسان. والأصلُ: إنسان وأنَاسين، فَأُبْدِلَتِ النونُ ياءً وأُدْغم فيها الياءُ قبلَها، ونحوَ ظِرْبانِ وظَرابِيّ. والثاني: وهو قولُ الفراء والمبرد والزجَّاج أنه جمع إنْسِيّ. وفيه نظرٌ لأنَّ فَعالِيّ إنما يكونُ جمعاً لِما فيه ياءٌ مشددةٌ لا تدلُّ على نَسَبٍ نحو: كُرْسِيّ وكَرَاسيّ./ فلو أُريد بـ كرسيّ النسبُ لم يَجُزْ جمعُه على كراسيّ. ويَبْعُدُ أَنْ يُقالَ: إن الياءَ في إِنْسِي ليست للنسبِ وكان حقُّه أَنْ يُجْمَعَ علىٰ أَناسِية نحو: مَهالبة في المُهَلَّبي وأَزارِقة في الأَزْرقي.
وقرأ يحيى بن الحارث الذِّماري والكسائي ـ في رواية ـ "وأناسِيَ" بتخفيف الياء. قال الزمخشري: "بحذفِ ياءِ أفاعيل كقولك: أناعِم في أناعِيم". وقال: "فإنْ قلت لِمَ قَدَّمَ إحياءَ الأرضِ وسَقْيَ الأنعامِ على سَقْي الأناسي. قلت: لأن حياةَ الأناسيِّ بحياةِ أرضِهم وحياةِ أنعامهم، فقدَّم ما هو سببُ حياتِهم، ولأنَّهم إذا ظَفِروا بسُقيْا أرضِهم وسَقْيِ أنعامِهم لم يَعْدِموا سُقْياهم".