التفاسير

< >
عرض

إِنَّهَا سَآءَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً
٦٦
-الفرقان

الدر المصون

قوله: { سَآءَتْ }: يجوزُ أَنْ تكونَ بمعنى أَخْزَنَتْ فتكونَ متصرفةً، ناصبةً المفعولَ به، وهو هنا محذوفٌ أي: إنها أي: جهنَم أَحْزَنَتْ أصحابَها وداخليها. ومُسْتقراً: يجوزُ أن يكونَ تمييزاً، وأَنْ يكونَ حالاً. ويجوز أَنْ تكونَ "ساءَتْ" بمعنى بِئْسَتْ فتُعْطىٰ حكمَها. ويكونُ المخصوصُ محذوفاً. وفي ساءَتْ ضميرٌ مبهمٌ. و"مُسْتَقَراً" يتعيَّنُ أنْ يكونَ تمييزاً أي: ساءَتْ هي. فـ"هي" مخصوصٌ. وهو الرابطُ بين هذه الجملةِ وبين ما وَقَعَتْ خبراً عنه، وهو "إنَّها"، وكذا قَدَّره الشيخ. وقال أبو البقاء: "ومُسْتَقَرَّاً تمييزٌ. وساءَتْ بمعنىٰ بِئْسَ". فإن قيلَ: يَلْزَمُ من هذا إشكالٌ، وذلك أنه يَلْزَمُ تأنيثُ فعلِ الفاعلِ المذكَّرِ مِنْ غيرِ مُسَوِّغٍ لذلك، فإنَّ الفاعلَ في "ساءَتْ" على هذا يكون ضميراً عائداً على ما بعدَه، وهو "مُسْتقراً ومُقاماً"، وهما مذكَّران فمِنْ أين جاء التأنيثُ؟ والجوابُ: أن المستقرَّ عبارةٌ عن جهنَّمَ فلِذلك جاز تأنيثُ فِعْلِه. ومثلُه قولُه:

3498ـ أَوْ حُرَّةٌ عَيْطَلٌ ثَبْجاءُ مُجْفَرَةٌ دعائمُ الزَّوْرِ نعْمَتْ زَوْرَقُ البلدِ

ومُسْتقراً ومُقاماً: قيل: مُترادفان، وعُطِفَ أحدُهما على الآخر لاختلافِ لَفْظَيْهما. وقيل: بل هما مختلفا المعنىٰ، فالمستقرُّ: للعُصاةِ فإنهم يَخْرُجون. والمُقام: للكفَّارِ فإنَّهم يَخْلُدون.
وقرأت فرقةُ "مَقاماً" بفتح الميم أي: مكانَ قيامِ. وقراءةُ العامَّةِ هي المطابِقَةُ للمعنى أي: مكانَ إقامةٍ وثُوِيّ وقوله: { إِنَّهَا سَآءَتْ مُسْتَقَرّاً } يُحتمل أَنْ يكونَ مِنْ كلامِهم، فتكونَ منصوبةً المحلِّ بالقول، وأَنْ تكونَ مِنْ كلامِ اللهَ تعالىٰ.