التفاسير

< >
عرض

وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ
٥٦
-الشعراء

الدر المصون

قوله: { حَاذِرُونَ }: قرأ الكوفيون وابن ذكوان "حاذِرُون" بالألفِ، والباقون "حَذِرُوْن" بدونهِا، فقال أبو عبيدة: "هما بمعنىً واحد يُقال: رجلٌ حَذِرٌ وحَذُرٌ وحاذِرٌ بمعنىً" وقيل: بل بينهما فرقٌ. فالحَذِرُ: المُتَيَقِّظُ. والحاذِرُ: الخائفُ. وقيل: الحَذِر: المخلوقُ مَجْبُولاً على الحَذَرِ. والحاذِرُ: ما عُرِض في ذلك، وقيل: الحَذِرُ: المُتَسَلِّح أي: له شوكةُ سلاحٍ. وأنشد سيبويهِ في إعمال حَذِر على أنه مثالُ مبالغةٍ مُحَوَّلٌ مِنْ حاذر قولَه:

3514ـ حَذِرٌ أموراً لا تَضِيْرُ وآمِنٌ ما ليسَ مُنْجِيَه من الأَقْدارِ

وقد زعم بعضُهم أنَّ سيبويهِ لمَّا سأله: هل تحفظُ شيئاً في إعمالَ فَعِل؟ صنع له هذا البيتَ. فعيب على سيبويه: كيف يأخذُ الشواهدَ الموضوعةَ؟ وهذا غَلَطٌ؛ فإن هذا الشخصَ قد أقرَّ على نفسِه بالكذبِ فلا يُقْدَحُ قولُه في سيبويهِ. والذي ادَّعَىٰ أنَّه صنعَ البيتَ هو اللاحقيُّ. وحَذِر يتعدَّى بنفسه، قال تعالى: { يَحْذَرُ ٱلآخِرَةَ } [الزمر: 9]، وقال العباس بن مرادس:

3515ـ وإني حاذِرٌ أَنْمِيْ سِلاحي إلى أوصالِ ذَيَّالٍ مَنيعِ

وقرأ ابن السَّميفع وابن أبي عمار "حاذِرُوْن" بالدال المهملة من قولهم: "عَيْنٌ حَدْرَة" أي: عظيمة، كقوله:

3516ـ وعَيْنٌ لها حَدْرَةٌ بَدْرَةٌ ......................

والمعنى: عظيماً. وقيل: الحادِرُ: القويُّ الممتلىء. وحُكي: رجلٌ حادِرٌ أي: ممتلِىءٌ غَيْظاً، ورجلٌ حادِرٌ أي: أحمقُ كأنه ممتلىءٌ مِنْ الحَمَقِ، قال:

3517ـ أُحِبُّ الغلامَ السَّوْءَ من أجلِ أُمِّه وأُبْغِضُهُ من بُغْضِها وهو حادِرُ

ويقال: أيضاً: رجلٌ حَذُر، بزنة "يَقُظ" مبالغةً في حاذِر، من هذا المعنى قلت: فقد صار يُقال: حَذِرَ وحَذُر وحاذر بالدال المعجمة والمهملة، والمعنى مختلف.