التفاسير

< >
عرض

وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ ٱلْخِيَرَةُ سُبْحَانَ ٱللَّهِ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ
٦٨
-القصص

الدر المصون

قوله: { مَا كَانَ لَهُمُ ٱلْخِيَرَةُ }: فيه أوجهٌ، أحدها: أن "ما" نافيةٌ فالوقفُ على "يَخْتار". والثاني: "ما" مصدريةٌ أي: يختار اختيارَهم، والمصدرُ واقعٌ موقعَ المفعولِ به أي: مُختارهم.
الثالث: أَنْ تكونَ بمعنىٰ الذي، والعائدُ محذوفٌ أي: ما كان لهم الخيرةُ فيه كقولِه:
{ وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ ٱلأُمُورِ } [الشورى: 43] أي: منه.
وجَوَّزَ ابنُ عطية أَنْ تكونَ "كان" تامةً و"لهم الخِيَرَةُ" جملةٌ مستأنفةٌ. قال: "ويَتَّجه عندي أن تكون "ما" مفعولةً إذا قدَّرْنا كان التامةَ أي: إنَّ اللهَ يختار كلِّ كائنٍ. و"لهم الخيرةُ" مستأنفٌ. معناه تعديدُ النِّعمِ عليهم في اختيار الله لهم لو قَبلوا". وجعل بعضُهم في "كان" ضميرَ الشأن/ وأنشد:

3633ـ أمِنْ سُمَيَّةَ دَمْعُ العين تَذْرِيْفُ لو كان ذا منك قبل اليوم معروفُ

ولو كان "ذا" اسمَها لقال: "معروفاً". وابنُ عطيةَ منع ذلك في الآية قال: "لأنَّ تفسيرَ الأمرِ والشأنِ لا يكون بجملةٍ فيها محذوف". قلت: كأنه يريد أنَّ الجارَّ متعلقٌ بمحذوفٍ. وضميرُ الشأنِ لا يُفَسَّر إلاَّ بجملةٍ مصرَّح بجزْأَيْها. إلاَّ أنَّ في هذا نظراً إنْ أراده؛ لأن هذا الجارَّ قائمٌ مقامَ الخبرِ. ولا أظنُّ أحداً يمنعُ "هو السلطان في البلد" و"هي هندٌ في الدار".
والخِيَرَةُ مِنَ التخيير، كالطِّيَرَةِ من التَّطَيُّرِ فيُستعملان استعمالَ المصدر. وقال الزمخشري:"ما كان لهم الخيرةُ بيانٌ لقولِه "ويختار" لأنَّ معناه: ويختار ما يشاءُ، ولهذا لم يَدْخُلِ العاطفُ. والمعنىؤ: أنَّ الخِيَرَةَ للهِ تعالى في أفعالِه، وهو أعلمُ بوجوهِ الحكمة فيها ليس لأحدٍ مِنْ خَلْقِه أَنْ يختار عليه". قتل: لم يَزَلِ الناسُ يقولون: إن الوقفَ على "يختار"، والابتداءَ بـ"ما" على أنها نافيةٌ هو مذهبُ أهلِ السنةِ. ونُقِل ذلك عن جماعةٍ كأبي جعفرٍ وغيرِه، وأنَّ كونَها موصولةً متصلةً بـ"يختار" غيرَ موقوفٍ عليه مذهبُ المعتزلة. وهذا الزمخشريُّ قد قَّررَ كونَها نافيةً، وحَصَّل غرضَه في كلامِه، وهو موافقٌ لكلامِ أهلِ السُّنةِ ظاهراً، وإنْ كان لا يريده. وهذا الطبريُّ مِنْ كبار أهل السنة مَنَعَ أَنْ تكونَ [ما] نافيةً قال: لئلا يكون المعنىٰ: أنَّه لم تكنْ لهم الخيرةُ فيما مضىٰ، وهي لهم فيما يُستقبل، وأيضاً فلم يتقدَّمْ نفيٌ". وهذا الذي قاله ابنُ جريرٍ مَرْوِيٌّ عن ابن عباس. وقال بعضُهم: ويختار لهم ما يشاء من الرسلِ، فـ"ما" على هذا واقعةٌ على العقلاء.