التفاسير

< >
عرض

قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَٱنْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُكَذِّبِينَ
١٣٧
-آل عمران

الدر المصون

قوله تعالى: { مِن قَبْلِكُمْ }: يجوزُ أَنْ يتعلَّقَ بـ"خَلَتْ" ويجوزُ أَنْ يتعلَّق بمحذوفٍ على أنه حالٌ من "سنن"؛ لأنه في الأصلِ يجوز أَنْ يكونَ وصفاً فلمَّا قُدِّم نُصِبَ حالاً.
والسُّنَنُ: جمع "سُنَّة" وهي الطريقةُ التي يكونُ عليها الإِنسانُ ويلازِمُها، ومنه "سنة الأنبياء" عليهم السلام. قال خالد الهذلي لخاله أبي ذؤيب:

1433ـ فلا تَجْزَعَنْ مِنْ سُنَّةٍ أنت سِرْتَها فَأَوَّلُ راضٍ سُنَّةً مَنْ يَسيرُها

وقال أخر:

1434ـ وإنَّ الأُلَى بالطَّفِّ مِنْ آلِ هاشمٍ تَأَسَّوا فَسَنُّوا للكرامِ التآسِيا

وقال لبيد:

1435ـ مِنْ أمةٍ سَنَّتْ لهم آباؤُهم ولكلِّ قومٍ سُنَّةٌ وإمامُها

وقال المفضل: "السُّنَّةُ الأُمَّة"، وأنشد:

1436ـ ما عايَنَ الناسُ مِنْ فضلٍ كفضلكمُ ولا رُئِيْ مثلُه في سائِرِ السُّنَنِ

ولا دليلَ فيه لاحتمالِه. وقال الخليل: "سَنَّ الشيءَ بمعنى صَوَّره". ومنه: { مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ } [الحجر: 26] أي: مُصَوَّر. وقيل: سَنَّ الماءَ والدرع إذا صَبَّهما، وقوله: { مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ } يجوزُ أَنْ يكونَ منه، ولكنَّ نسبةَ الصبِّ إلى الطين بعيدةٌ. وقيل "مَسْنون" أي متغير. قال بعض أهل اللغة: "هي فُعْلَة من سَنَّ الماءَ يَسُنُّه إذا والى صَبَّه. والسَّنُّ: صَبُّ الماءِ والعرق ونحوهما، وأنشدَ لزهيرٍ:

1437ـ نُعَوِّدها الطِّرادَ فكلَّ يومٍ تُسَنُّ على سنابِكها القُرونُ

أي: يُصَبُّ عليها العرقُ. وقيل: سُنَّة: فُعْلَة بمعنى مفعول كالغُرْفَة والأُكْلَة. وقيل: اشتقاقُها من سَنَنْتُ النَّصْلَ أَسُنُّه سَنَّاً إذا حَدَدْتَه، والمعنى أن الطريقة الحسنة معتنىً بها كما يُعْتنى بالنصل ونحوه. وقيل: مِنْ سَنَّ الإِبلَ: أذا أحسن رَعْيَها. والمعنى: أَنَّ صاحبَ السنة يقومُ على أصحابهِ كما يقومُ الراعي على إبلِه، وقد مَضَى مِنْ ذلك جملةٌ صالحةٌ في البقرة.
وقوله: { فَسِيرُواْ } جملةٌ معطوفةٌ على ما قبلَها. والتسبيبُ في هذه الألفاظِ ظاهرٌ أي: سَبَبُ الأمرِ بالسير لينظُروا نَظَرَ اعتبارٍ خُلُوُّ مَنْ قبلكم من الأمم وطرائقهم. وقال أَبو البقاء: "ودَخَلَتِ الفاء في "فسيروا"/ لأنَّ المعنى على الشرطِ أي: إن شَكَكْتُم فسيروا.
قوله: { كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ } "كيف" خبرٌ مقدم واجبُ التقديم؛ لتضمُّنِه معنى الاستفهامِ وهو مُعَلِّقٌ لـ"انظروا" قبلَه، فالجملةُ في محل نصبٍ بعد إسقاطِ الخافضِ إذ الأصل: انظروا في كذا.