التفاسير

< >
عرض

مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَاهَدُواْ ٱللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلاً
٢٣
-الأحزاب

الدر المصون

قوله: { صَدَقُواْ }: "صَدَقَ" يتعدَّى لاثنين لثانيهما بحرفِ الجرِّ، ويجوز حَذْفُه. ومنه المثل: "صَدَقني سِنَّ بَكْرِهِ" أي في سِنِّ. والآيةُ يجوزُ أَنْ تكونَ مِنْ هذا، والأولُ محذوفٌ أي: صدقوا الله فيما عاهدوا اللَّهَ عليه. ويجوز أَنْ يتعدَّى لواحدٍ كقولك: صَدَقني زيدٌ وكَذَبني عمرو أي: قال لي الصدقَ، وقال لي الكذبَ. ويكون المعاهَدُ عليه مصدوقاً مجازاً. كأنهم قالوا للشيءِ المُعاهَد عليه: لنُوفِيَنَّ بك وقد فعلوا. و"ما" بمعنى الذي؛ ولذلك عاد عليها الضميرُ في عليه. وقال مكي: "ما" في موضعِ نصبٍ بـ صَدَقوا. وهي والفعلُ مصدرٌ تقديرُه: صَدَقوا العهدَ أي: وَفَوْا به" وهذا يَرُدُّه عَوْدُ الضميرِ. إلاَّ أنَّ الأخفشَ وابنَ السراج يذهبان إلى اسميةِ "ما" المصدريةِ.
قوله: "قضى نَحْبَه" النَّحْبُ: ما التزمه الإِنسانُ، واعتقد الوفاءُ به.
قال:

3688 ـ عَشِيَّةَ فَرَّ الحارِثيُّون بعدَما قضى نَحْبَه في مُلْتَقَى القومِ هَوْبَرُ

وقال آخر:

3689 ـ بطَخْفَةَ جالَدْنا الملوكَ وخَيْلُنا عَشيَّةَ بِسْطامٍ جَرَيْنَ على نَحْبِ

أي: على أَمْرٍ عظيمٍ؛ ولهذا يُقال: نَحَبَ فلانٌ أي: نَذَرَ نَذْراً التزمه، ويُعَبَّر به عن الموتِ كقولِهم: "قَضَى أجله" لَمَّا كان الموتُ لا بُدَّ منه جُعِل كالشيءِ الملتَزمِ. والنَّحِيْبُ: البكاءُ معه صَوْتٌ. والنُّحاب: السُّعالُ.