التفاسير

< >
عرض

وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِم مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُواْ فِي شَكٍّ مُّرِيبٍ
٥٤
-سبأ

الدر المصون

قوله: { وَحِيلَ }: قد تقدَّمَ فيه الإِشمامُ والكسر أولَ البقرة والقائمُ مقامَ الفاعلِ ضميرُ المصدرِ أي: وحِيْلَ هو أي الحَوْلُ. ولا تُقَدِّره مصدراً مؤكَّداً بل مختصاً حتى يَصِحَّ قيامُه. وجَعَلَ الحوفيُّ القائمَ مقامَ الفاعلِ "بينهم" واعْتُرِض عليه: بأنه كان ينبغي أن يُرْفَعَ. وأُجيب عنه بأنَّه إنما بُني على الفتح لإِضافتِه إلى غير متمكنٍ. ورَدَّه الشيخُ: بأنه لا يُبْنى المضافُ إلى غيرِ متمكنٍ مطلقاً، فلا يجوز: "قام غلامَك" ولا "مررتُ بغلامَك" بالفتح. قلت وقد تقدَّم في قولِه: { { لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ } [الأنعام: 94] ما يُغْنِيْنا عن إعادتِه هنا/. ثم قال الشيخ: "وما يقولُ قائلُ ذلك في قولِ الشاعر:

3756 ـ ........................... وقد حِيْلَ بين العَيْرِ والنَّزَوانِ

فإنه نصب "بين" مضافةً إلى مُعْربٍ. وخُرِّجَ أيضاً على ذلك قولُ الآخر:

3757 ـ وقالَتْ متى يُبْخَلُ عليك ويُعْتَلَلْ يَسُؤْكَ وإن يُكشَفْ غرامُك تَدْرَبِ

أي: يُعْتَلَلْ هو أي الاعتلال".
قوله: "مِنْ قبلُ" متعلِّقٌ بـ "فُعِل" أو "بأشياعهم" أي: الذين شايَعوهم قبلَ ذلك الحينِ.
قوله: "مُريب" قد تقدَّم أنه اسمُ فاعلٍ مِنْ أراب أي: أتى بالرَّيْب، أو دخل فيه، وأَرَبْتُه أي: أوقعتَه في الرِّيْبَة. ونسبةُ الإِرابةِ إلى الشكِّ مجازٌ. وقال الزمخشري هنا: "إلاَّ أنَّ ههنا فُرَيْقاً: وهو أنَّ المُريبَ من المتعدِّي منقولٌ مِمَّن يَصِحُّ أَنْ يكونَ مُريباً، من الأعيان، إلى المعنى، ومن اللازمِ منقولٌ من صاحبِ الشكِّ إلى الشَّكِّ، كما تقول: شعرٌ شاعرٌ" وهي عبارةٌ حسنةٌ مفيدةٌ. وأين هذا مِنْ قولِ بعضِهم: "ويجوز أَنْ يكونَ أَرْدَفَه على الشَّكِّ، ليتناسَقَ آخرُ الآية بالتي قبلَها مِنْ مكانٍ قريبٍ". وقولُ ابنِ عطية: "المُريبُ أَقْوى ما يكون من الشكِّ وأشدِّه". وقد تقدَّم تحقيقُ الرَّيْب أولَ البقرةِ وتشنيعُ الراغب على مَنْ يُفَسِّره بالشَّك.