التفاسير

< >
عرض

أَفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً أَم بِهِ جِنَّةٌ بَلِ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ فِي ٱلْعَذَابِ وَٱلضَّلاَلِ ٱلْبَعِيدِ
٨
-سبأ

الدر المصون

قوله: { أَفْتَرَىٰ }: هذه همزةُ استفهامٍ. وحُذِفَتْ لأجلها همزةُ الوصل، فلذلك تَثْبُتُ هذه الهمزةُ وصلاً وابتداءً. وبهذه الآيةِ استدلَّ الجاحظُ على أنَّ الكلامَ ثلاثةُ أقسامٍ: صدقٍ، كذبٍ، لا صدقٍ ولا كذبٍ. ووَجْهُ الدلالةِ منه على القسمِ الثالث أنَّ قولَه: { أَم بِهِ جِنَّةٌ } لا جائزٌ أن يكون كذباً لأنه قسيمُ الكذبِ، وقسيمُ الشَيءِ غيرُه، ولا جائزٌ أن يكون صِدْقاً لأنهم لم يعتقدوه، فثبت قسمٌ ثالث. وقد أجيب عنه بأن المعنى: أم لم يَفْتَرِ. ولكن عَبَّر عن هذا بقولهم { أَم بِهِ جِنَّةٌ } لأن المجنونَ لا افتراءَ له.
والظاهرُ في "أم" هذه متصلةٌ؛ لأنها تتقدَّرُ بأي الشيئين. ويجابُ بأحدِهما، كأنه قيل: أيُّ الشيئين واقعٌ: افتراؤه الكذبَ أم كونُه مجنوناً؟ ولا يَضُرُّكونُها بعدها جملةٌ؛ لأنَّ الجملةَ بتأويلِ المفردِ كقوله:/

3721 ـ لا أُبالي أَنَبَّ بالحَزْنِ تَيْسٌ أم جفاني بظهرِ غَيْبٍ لئيمُ

ومثلُه قولُ الآخر:

3722 ـ لَعَمْرُك ما أدْري وإنْ كنتُ دارياً شُعَيْثُ ابن سَهْمٍ أم شُعَيْثُ ابنُ منقرِ

"ابن منقر" خبرٌ، لا نعت. كذا أنشده بعضُهم مستشهداً على أنها جملةٌ، وفيه حَذْفُ التنوين مِمَّا قبل "ابن" وليس بصفةٍ. وقد عَرَفْتَ ما أَشَرْتُ إليه هنا من سورة التوبة.