التفاسير

< >
عرض

وَمَا مِنَّآ إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ
١٦٤
-الصافات

الدر المصون

قوله: { وَمَا مِنَّآ إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ }: فيه وجهان، أحدهما: أنَّ "منَّا" صفةٌ لموصوفٍ محذوفٍ هو مبتدأٌ، والخبرُ الجملةُ مِنْ قولِه: { إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ } تقديرُه: ما أحدٌ منا إلاَّ له مقامٌ، وحَذْفُ المبتدأ مع "مِنْ" جيدٌ فصيحٌ. والثاني: أنَّ المبتدأ محذوفٌ أيضاً، و{ إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ } صفتُه حُذِفَ موصوفُها، والخبرُ على هذا هو الجارُّ المتقدم. والتقدير: وما منَّا أحدٌ إلاَّ له مقامٌ. قال الزمخشري: حَذَفَ الموصوفَ، وأقامَ الصفةَ مُقامَه كقولِه:

3826 ـ أنا ابنُ جَلا وطلاَّعُ الثَّنايا ..........................

[وقوله]:

3827 ـ تَرْمي بكفَّيْ كان مِنْ أَرْمى البَشَرْ

ورَدَّه الشيخُ فقال: "ليس هذا مِنْ حَذْفِ الموصوفِ وإقامةِ الصفةِ مُقامَه؛ لأنَّ المحذوفَ مبتدأٌ، و{ إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ } خَبَرُه؛ ولأنه لا ينعقِدُ كلامٌ مِنْ قولِه: "وما منَّا أحد"، وقوله: { إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ } مَحَطُّ الفائدةِ، وإنْ تُخُيِّل أن { إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ } في موضع الصفةِ فقد نَصُّوا على أنَّ "إلاَّ" لا تكونُ صفةً إذا حُذِف موصوفُها، وأنها فارقتْ "غير" إذا كانتْ صفةً في ذلك لتمكّنِ "غير" في الوصف وَعَدَمِ تمكُّنِ "إلاَّ" فيه، وجَعَل ذلك كقولِه: "أنا ابنُ جَلا" أي: أنا ابنُ رجلٍ جَلا، و"بكفَّيْ كان" أي: رجل كان، وقد عَدَّه النَّحْويون مِنْ أقبحِ الضَّرائِر [حيث حَذَفَ الموصوفَ والصفةُ جملةٌ لم تتقدَّمْها "مِنْ" بخلافِ قولِه "مِنَّا ظَعَنَ ومنَّا أقام" يريدون: مِنَّا فريقٌ ظَعَن، ومنَّا فريقٌ أقام] وقد تقدَّم نحوٌ من هذا في النساء عند قوله: { { وَإِن مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ } [النساء: 159]. وهذا الكلامُ وما بعده ظاهرُه أنه من كلامِ الملائكةِ. وقيل: مِنْ كلامِ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم. ومفعول "الصافُّون" و"المُسَبِّحون" يجوزُ أن يكونَ مُراداً أي: الصافُّون أقدامَنا أو أجنحتَنا، والمسبِّحون اللَّهَ تعالى وأنْ لا يُرادَ البتةَ أي: نحن مِنْ أهلِ هذا الفعلِ.