التفاسير

< >
عرض

وَٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَـآءَ ٱلنَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلاَ بِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَمَن يَكُنِ ٱلشَّيْطَانُ لَهُ قَرِيناً فَسَآءَ قِرِيناً
٣٨
-النساء

الدر المصون

قوله: { وَٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ }: فيه ثلاثة أوجه، أحدها: أن يكون مرفوعاً عطفاً على "الذين يبخلون" والخبر { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَظْلِمُ }، وقد تقدم ذلك وضَعْفُه. الثاني: أنه مجرور عطفاً على "الكافرين" أي: أعتدنا للكافرين وللذين ينفقون أموالهم رئاءَ الناس، قاله ابن جرير. الثالث: أنه مبتدأُ وخبرهُ محذوف أي: مُعَذَّبون، أو: قرينهم الشيطان، فعلى الأوَّلين يكونُ من عطفِ المفردات، وعلى الثالث مِنْ عطفِ الجمل.
قوله: { رِئَـآءَ ٱلنَّاسِ } فيه ثلاثة أوجه، أحدها: أنه مفعول من أجله، وشروطُ النصب متوفرة. والثاني: أنه حالٌ من فاعل "ينفقون" يعني مصدراً واقعاً موقعَ الحال أي: مُرائين. والثالث: أنه حالٌ من نفسِ الموصولِ ذكره المهدوي. و"رئاءَ" مصدرٌ مضاف إلى المفعول.
قوله: { وَلاَ يُؤْمِنُونَ } فيه ثلاثة أوجه، أحدها: أنه مستأنف. والثاني: أنه عطف على الصلة، وعلى هذين الوجهين فلا محلَّ له من الإِعراب. والثالث: أنه حالٌ من فاعل "ينفقون". إلا أن هذين الوجهين الأخيرين ـ أعني العطفَ على الصلة والحالية ـ يمتنعان على الوجه المحكي عن المهدوي، وهو كونُ "رئاءَ" حالاً من نفس الموصول؛ لئلا يلزَم الفصلُ بين أبعاضِ الصلة أو بين الصلةِ ومعمولِها بأجنبي وهو "رثاءَ"؛ لأنه حالٌ من الموصولِ لا تعلُّقَ له بالصلة، بخلاف ما إذا جَعَلْناه مفعولاً له أو حالاً من فاعل "ينفقون" فإنه على الوجهين معمولٌ لـ"ينفقون" فليس أجنبياً، فلم يُبالَ بالفصل به.
وفي جَعْلِ { وَلاَ يُؤْمِنُونَ } حالاً نظرٌ من حيث/ إنَّ بعضَهم نصَّ على أن المضارع المنفيَّ بـ"لا" كالمثبت في أنه لا تدخل عليه واو الحال، وهو محلُّ تَوَقُّف. وكررت "لا" في قوله: "ولا باليوم" وكذا الباء إشعاراً بأن الإِيمان منتفٍ عن كلِّ على حِدَتِه لو قلت: "لا أضرب زيداً وعمراً" احتمل نفيَ الضرب عن المجموع، ولا يلزم منه نفيُ الضربِ عن كلِّ واحدٍ على انفراده، واحتمل نفيَه عن كل واحد بانفرادِه، فإذا قلت: "ولا عمراً" تعيَّن هذا الثاني.
قوله: { فَسَآءَ قِرِيناً } في "ساء" هذه احتمالان أحدهما: أنها نُقِلَتْ إلى الذمِّ فجرت مَجْرىٰ "بئس"، ففيها ضميرٌ فاعل لها مفسَّرٌ بالنكرة بعده، وهي "قريناً"، والمخصوصُ بالذم محذوف أي: فساء قريناً هو، وهو عائدٌ: إما على الشيطان وهو الظاهر، وإما على "من" وقد تقدَّم حكمُ نعم وبئس. والثاني: أنها على بابها فهي متعدية ومفعولُها محذوفٌ، و"قريناً" على هذا منصوبٌ على الحال أو على القطع، والتقديرُ: فساءَه أي: فساءَ الشيطانُ مُصَاحِبَه. واحتجوا للوجه الأول، بأنه كان ينبغي أن يَحْذِف الفاءَ من "فساء" أو تقترن به "قد"؛ لأنه حينئذ فعل متصرفٌ ماض، وما كان كذلك ووقع جواباً للشرط تجرَّدَ من الفاءِ أو اقترن بـ"قد"، هذا معنى كلام الشيخ. وفيه نظرٌ لقولِه تعالى:
{ وَمَن جَآءَ بِٱلسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ } [النمل: 90] { { وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ } [يوسف: 27] فما يُؤَوَّلُ به هذا ونحوُه يتأوَّل به هذا. ومِمَّنْ ذهب إلى أنَّ "قريناً" منصوبٌ عل الحالِ ابنُ عطية، ولكن يحتمل أن يكونَ قائلاً بأنَّ "ساء" متعديةٌ، وأن يكونَ قائلاً برأي الكوفيين، فإنهم ينصبون ما بعد نعم وبئس على الحال.
والقرينُ: المصاحِبُ الملازمُ، وهو فَعِيل بمعنى مُفاعل كالخليط والجليس. والقَرْنُ: الحبل، لأنه يُقْرن به بين البعيرين قال:

1582ـ وابنُ اللَّبونِ إذا ما لُزَّ في قَرَنٍ ...........................