التفاسير

< >
عرض

كَذَلِكَ يُوحِيۤ إِلَيْكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكَ ٱللَّهُ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ
٣
-الشورى

الدر المصون

بسم الله الرحمن الرحيم
قوله: { كَذَلِكَ يُوحِيۤ }: القُراء على "يُوْحي" بالياء مِنْ أسفلَ مبنياً للفاعلِ، وهو اللَّهُ تعالى. "والعزيزُ الحكيمُ" نعتان. والكافُ منصوبةُ المحلِّ: إمَّا نعتاً لمصدرٍ، أو حالاً مِنْ ضميرِه أي: يوحي إيحاءً مثلَ ذلك الإِيحاءِ. وقرأ ابنُ كثير - وتُروى عن أبي عمروٍ - "يُوْحَى" بفتحِ الحاءِ مبنياً للمفعول. وفي القائمِ مَقامَ الفاعلِ ثلاثةُ أوجهٍ، أحدُها: ضميرٌ مستترٌ يعود على "كذلك" لأنه مبتدأٌ، والتقدير: مثلُ ذلك الإِيحاءِ يُوْحَى هو إليك. فمثلُ ذلك مبتدأٌ، ويُوْحى هو إليك خبرُه. الثاني: أنَّ القائمَ مقامَ الفاعلِ "إليك"، والكافُ منصوبُ المحلِّ على الوجهَيْن المتقدِّمَيْن. الثالث: أنَّ القائمَ [مَقامَه] الجملةُ مِنْ قولِه: "اللَّهُ العزيزُ" أي: يُوْحَى إليك هذا اللفظُ. وأصولُ البَصْريين لا تساعِدُ عليه؛ لأنَّ الجملةَ لا تكونُ فاعلةً ولا قائمةً مقامَه.
وقرأ أبو حيوةَ والأعمشُ وأبانٌ "نُوْحي" بالنون، وهي موافقةٌ للعامَّةِ. ويُحتمل أَنْ تكونَ الجملةُ مِنْ قولِه: "اللَّهُ العزيزُ" منصوبةَ المحلِّ مفعولةً بـ "نُوْحي" أي: نُوحي إليك هذا اللفظَ. إلاَّ أنَّ فيه حكايةَ الجملِ بغيرِ القولِ الصريحِ. و"نُوْحي" على اختلافِ قراءاتِه يجوزُ أَنْ يكونَ على بابه من الحالِ أو الاستقبالِ، فيتعلَّقَ قولُه: { وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكَ } بمحذوفٍ لتعذُّرِ ذلك، تقديرُه: وأوحَى إلى الذين، وأَنْ يكونَ بمعنى الماضي. وجيْءَ به على صورةِ المضارعِ لغَرَضٍ وهو تصويرُ الحالِ.
قوله: "اللَّهُ العزيزُ" يجوزُ أَنْ يرتَفِعَ بالفاعليةِ في قراءةِ العامَّةِ، وأَنْ يرتفعَ بفعلٍ مضمرٍ في قراءةِ ابنِ كثير، كأنه قيل: مَنْ يُوْحيه؟ فقيل: اللَّه، كـ { يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِٱلْغُدُوِّ وَٱلآصَالِ } [النور: 36]، وقوله:

3964 ـ لِيُبْكَ يزيدُ ضارِعٌ .............. ........................

وقد مرَّ، وأَنْ يرتفعَ بالابتداءِ، وما بعدَه خبرُه، والجملةُ قائمةٌ مَقامَ الفاعلِ على ما مَرَّ، وأَنْ يكون "العزيزُ الحكيمُ" خبَريْن أو نعتَيْن. والجملةُ مِنْ قولِه: { لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ } خبرٌ أولُ أو ثانٍ على حَسَبِ ما تقدَّم في "العزيزُ الحكيمُ".
وجوَّز أبو البقاءِ أَنْ يكونَ "العزيز" مبتدأً و"الحكيمُ" خبرَه، أو نعتَه، و{ لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ } خبرَه. وفيه نظرٌ؛ إذ الظاهرُ تَبَعيَّتُهما للجلالة. وأنت إذا قلتَ: "جاء زيدٌ العاقلُ الفاضلُ" لا تجعلُ العاقل مرفوعاً على الابتداء.