التفاسير

< >
عرض

وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِّتُنذِرَ أُمَّ ٱلْقُرَىٰ وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنذِرَ يَوْمَ ٱلْجَمْعِ لاَ رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي ٱلْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي ٱلسَّعِيرِ
٧
-الشورى

الدر المصون

قوله: { قُرْآناً عَرَبِيّاً }: فيه وجهان، أظهرُهما: أنه مفعولُ "أَوْحَيْنا"، والكافُ للمصدرِ نعتاً أو حالاً. والثاني: أنَّه حالٌ من الكافِ، والكافُ هي المفعولُ لـ "أَوْحَيْنا" أي: أَوْحَيْنا مثلَ ذلك الإِيحاءِ، وهو قرآنٌ عربيٌّ. وإليه نحا الزمخشريُّ، وكونُ الكافِ اسماً في النَّثْر مذهبُ الأخفش.
قوله: "ومَنْ حَوْلها" عطفٌ على "أهل" المقدرِ قبل "أمَّ القرى" أي: لِتُنْذِرَ أهلَ أمِّ القرى ومَنْ حَوْلَها. والمفعولُ الثاني محذوفٌ أي: العذابَ. وقُرِئَ "لِيُنْذِرَ" بالياءِ مِنْ تحتُ أي: القرآن. وقولُه: { وَتُنذِرَ يَوْمَ ٱلْجَمْعِ } هو المفعولُ الثاني. والأولُ محذوفٌ أي: وتُنْذِرَ الناسَ عذابَ يومِ الجمع، فحذفَ المفعولَ الأولَ من الإِنذار الثاني، كما حَذَفَ المفعولَ الثاني مِنْ الإِنذار الأولِ.
قوله: { لاَ رَيْبَ فِيهِ } إخبارٌ فهو مستأنَفٌ. ويجوزُ أَنْ يكونَ حالاً مِنْ "يومَ الجمع"، وجعلَه الزمخشريُّ اعتراضاً وهو غيرُ ظاهرٍ صناعةً؛ إذ لم يَقَعْ بين متلازِمَيْنِ.
قوله: "فَرِيقٌ" العامَّةُ على رَفْعِه بأحدِ وجهَيْنِ: إمَّا الابتداءِ، وخبرُه الجارُّ بعدَه. وساغ هذا في النكرةِ لأنَّه مَقامُ تفصيلٍ كقولِه:

3965 ـ ........................... فثوبٌ لَبِسْتُ وثَوْبٌ أَجُرّْ

ويجوزُ أَنْ يكونَ الخبرُ مقدراً، تقديرُه: منهم فريقٌ. وساغ الابتداءُ بالنكرةِ لشيْئَيْنِ: تقديمِ خبرِها جارًّا ومجروراً، ووَصْفِها بالجارِّ بعدَها. والثاني: أنه خبرُ ابتداءٍ مضمرٍ أي: هم، أي: المجموعون دَلَّ على ذلك قولُه: "يومَ الجَمْعِ".
وقرأ زيدُ بن علي "فريقاً، وفريقاً" نصباً على الحال مِنْ جملةٍ محذوفةٍ أي: افترقوا أي: المجموعون. وقال مكي: "وأجاز الكسائيُّ والفراءُ النصبَ في الكلام في "فريقاً" على معنى: تُنْذِرُ فريقاً في الجنة وفريقاً في السَّعير يومَ الجمع". قلت: قد تقدَّم أنَّ زيدَ بن علي قرأ بذلك، فكأنَّه لم يَطَّلِعْ على أنها قراءةٌ؛ بل ظاهرُ نَقْلِه عن هذَيْن الإِمامَيْن أنهما لَم يَطَّلعا عليها، وجَعَل "فريقاً" مفعولاً أولَ لـ "تُنْذِرَ" و"يومَ الجَمْعِ" مفعولاً ثانياً. وفي ظاهرِه إشكالٌ: وهو أنَّ الإِنذارَ لا يقعُ للفريقَيْنِ، وهما في الجنة، وفي السَّعير، إنَّما يكونُ الإِنذارُ قبل استقرارِهما فيهما. ويمكنُ أَنْ يُجابَ عنه: بأنَّ المرادَ مَنْ هو مِنْ أهلِ الجنة ومِنْ أهلِ السَّعير، وإنْ لم يكنْ حاصلاً فيهما وقتَ الإِنذارِ، و"في الجنة" صفةٌ لـ "فَريقاً" أو متعلِّقٌ بذلك المحذوفِ.