التفاسير

< >
عرض

وَقَالُوۤاْ ءَأَ ٰلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ
٥٨
-الزخرف

الدر المصون

قوله: { وَقَالُوۤاْ أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ }: قرأ أهلُ الكوفة بتحقيق الهمزةِ الثانيةِ، والباقون بتسهيلِها بينَ بينَ، ولم يُدْخِلْ أحدٌ مِنْ القرَّاء الذين مِنْ قاعدتِهم الفصلُ بين الهمزتين بألفٍ، ألفاً، كراهةً لتوالي أربعةِ مُتشابهات، وأَبْدل الجميعُ الهمزةَ الثالثة ألفاً. ولا بُدَّ/ مِنْ زيادةِ بيان: وذلك أن "آلِهة" جمعُ إله كعِماد وأَعْمِدَة، فالأصلُ أَأْلِهَة بهمزتين: الأولى زائدةٌ، والثانيةُ فاء الكلمة وقعتِ الثانيةُ ساكنةً بعد مفتوحةٍ وَجَبَ قلْبُها ألفاً كأَمِن وبابِه، ثم دَخَلَتْ همزةُ الاستفهامُ على الكلمةِ، فالتقى همزتان في اللفظ: الأولى للاستفهامِ والثانيةُ همزةُ أَفْعِلة. والكوفيون لم يَعْتَدُّوا باجتماعِهما فأبْقَوْهما على حالِهما. وغيرُهم استثقَل فخفَّفَ الثانيةَ بالتسهيلِ بينَ بينَ، والثالثةُ بألفٍ محضةٍ لم تُغَيَّرْ البتةَ. وأكثرُ أهلِ العصرِ يُقرُّونَ هذا الحرفَ بهمزةٍ واحدة بعدها ألفٌ على لفظِ الخبرِ ولم يقرأْ به أحدٌ من السبعة فيما قَرَأْتُ به، إلاَّ أنَّه رُوِي أنَّ وَرْشاً قرأ كذلك في روايةِ أبي الأَزْهر، وهي تحتملُ الاستفهامَ كالعامَّةِ، وإنما حَذَفَ أداةَ الاستفهامِ لدلالة "أم" عليها وهو كثيرٌ، وتَحْتمل أنَّه قرأه خبراً مَحْضاً وحينئذٍ تكون "أم" منقطعةً فتُقَدَّرُ بـ بل والهمزة.
وأمَّا الجماعةُ فهي عندهم متصلةٌ. فقوله: "أم هو" على قراءةِ العامة عطفٌ على "آلهتنا" وهو من عطفِ المفرداتِ. التقدير: أآلهتُنا أم هو خيرٌ أي: أيُّهما خيرٌ. وعلى قراءةِ ورشٍ يكونُ "هو" مبتدأً، وخبرُه محذوفٌ تقديرُه: بل أهو خيرٌ، وليست "أم" حينئذٍ عاطفةً.
قوله: "جَدَلاً" مفعولٌ مِنْ أجله أي: لأجلِ الجدلِ والمِراءِ لا لإِظهارِ الحقِّ. وقيل: هو مصدرٌ في موضعِ الحال أي: إلاَّ مُجادِلين.
وقرأ ابنُ مقسم "جِدالاً" والوجهان جاريان فيه. والظاهر أنَّ "هو" لعيسى كغيره من الضمائر. وقيل: هو للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم.