التفاسير

< >
عرض

لُعِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ ذٰلِكَ بِمَا عَصَوْا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ
٧٨
-المائدة

الدر المصون

قوله تعالى: { مِن بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ }: في محلِّ نصبٍ على الحال، وصاحبُها: إمَّا "الذين" وإمَّا" واو "كفروا" وهم بمعنًى واحدٍ. وقوله: { عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى } المرادُ باللسانِ الجارحةُ لا اللغةُ، كذا قال الشيخ يعني أنَّ الناطقَ بِلَعْنِ هؤلاء لسانُ هذين النبيين، وجاء قولُه { عَلَىٰ لِسَانِ } بالإِفراد دون التثنيةِ والجمعِ فلم يَقُلْ: "على لسانَيْ" ولا "على ألسنةِ" لقاعدةٍ كليةٍ، وهي: أن كلَّ جزأين مفردين من صاحبيهما إذا أُضيفا إلى كليهما من غيرِ تفريقٍ جازَ فيهما ثلاثةُ أوجهٍ، لفظُ الجمعِ - وهو المختارُ - ويليه التثنيةُ عند بعضِهم، وعند بعضِهم الإِفرادُ مقدمٌ علة التثنيةِ، فيقال: "قَطَعْتُ رؤوسَ الكبشين" وإنْ شئت: رأسَي الكبشين، وإن شئت: رأسَ الكبشين، ومنه: { { فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا } [التحريم: 4]، فقولي "جزأين" تحرُّزٌ من شيئين ليسا بجزأين نحو: "درهميكما" وقد جاء: "من بيوتِكما وعمائمكما وأسيافمكا" لأَمْنِ اللَّبْسِ، وبقولي: "مفردين" من نحو: "العينين واليدين" فأمَّا قولُه تعالى: { { فَٱقْطَعُوۤاْ أَيْدِيَهُمَا } [المائدة: 38] ففُهِم بالإِجماع وبقولي: "من غيرِ تفريق" تحرُّزٌ من نحو: قَطَعْتُ رأسي الكبشين: السمينِ والكبشِ الهزيل"، ومنه هذه الآية فلا يجوزُ إلا الإِفرادُ وقال بعضهم: "وهو مختارٌ" أي: فيجوز غيرُه. وقد مضى تحقيقُ هذه القاعدةِ في سورة المائدة بكلامٍ طويٍ فعليك بالالتفاتِ إليه.
وفي النفسِ من كونِ المرادِ باللسان الجارحةَ شيءٌ، ويؤيد ذلك ما قاله الزمخشري فإنه قال: "نَزَّل اللّهُ لَعْنَهم في الزبور على لسانِ داود، وفي الإِنجيل على لسانِ عيسى وقوةُ هذا تَأْبى كونَه الجارحةَ، ثم أني رأيتُ الواحدي ذكرَ عن المفسرين قولين، ورجَّح ما قلته قال -رحمه الله -: "وقال ابن عباس: يريد في الزبور وفي الإِنجيلِ، ومعنى هذا أنَّ اللَهَ تعالى لَعَنَ في الزبور مَنْ يكفر من بني إسرائيل وكذلك في الإِنجيل، وقيل: على لسان داود وعيسى؛ لأنَّ الزبورَ لسانُ داود والإِنجيلَ لسانُ عيسى" فهذا نصٌّ في أن المراد باللسانِ غيرُ الجارحة، ثم قال: "وقال الزجاج: "وجائزٌ أن يكون داود وعيسى عَلِما أنَّ محمداً نبيٌّ مبعوثٌ، وأنهما لَعَنا مَنْ يكفر به" والقول هو الأول، فتجويزُ الزجاجِ لذلك ظاهرٌ أنه يُراد باللسانِ الجارحةُ ولكن ليس قولاً للمفسرين. و"على لسانِ" متعلِّقٌ بـ "لعن" قال أبو البقاء: "كما يُقال: جاء زيدٌ على فرس". وفيه نظرٌ إذ الظاهر أنه حالٌ. وقولُه: "ذلك بما عَصَوْا" قد تقدَّم نظيره قوله: { وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ } في هذه الجملة الناقصةِ وجهان، أظهرهما: أن تكونَ عطفاً على صلةِ "ما" وهو "عَصَوْا" أي: ذلك بسب عصيانِهم وكونِهم معتدين. والثاني: أنها استئنافيةٌ أي: أخبر الله تعالى عنهم بذلك. قال الشيخ: "ويُقَوِّي هذا ما جاءَ بعده كالشرحِ له، وهو قولُه: { كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ }.