التفاسير

< >
عرض

ثُمَّ يُجْزَاهُ ٱلْجَزَآءَ ٱلأَوْفَىٰ
٤١
-النجم

الدر المصون

قوله: { ثُمَّ يُجْزَاهُ }: يجوزُ فيه وجهان، أظهرهما: أنَّ الضميرَ المرفوعَ عائدٌ على الإِنسان، والمنصوبَ عائدٌ على سعيه. والجزاء مصدرٌ مبيِّنٌ للنوع. والثاني: قال الزمخشريُّ: "ويجوزُ أَنْ يكونَ الضميرُ للجزاء، ثم فَسَّره بقولِه "الجزاءَ"، أو أبدلَه عنه كقولِه: { وَأَسَرُّواْ ٱلنَّجْوَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ } [الأنبياء: 3]. قال الشيخ: "وإذا كان تفسيراً للضميرِ المنصوبِ في "يُجْزاه" فعلى ماذا ينتصِبُ، وأمَّا إذا كان بدلاً فهو مِنْ بدلِ الظاهرِ/ من المضمرِ، وهي مسألةُ خلافٍ والصحيحُ المنعُ".
قلت: العجبُ كيف يقولُ: فعلى ماذا ينتصِبُ؟ وانتصابُه من وجهَيْن، أحدُهما: ـ وهو الظاهرُ البيِّن - أنْ يكونَ عطفَ بيانٍ، وعطفُ البيانِ يَصْدُقُ عليه أنه مُفَسِّرٌ، وهي عبارةٌ سائغةٌ شائعةٌ. والثاني: أَنْ ينتصِبَ بإضمار أَعْني، وهي عبارةٌ سائغةٌ أيضاً يُسَمُّون مثلَ ذلك تفسيراً. وقد مَنَعَ أبو البقاء أن ينتصِبَ الجزاء الأَوْفى على المصدرِ، فقال: "الجزاءَ الأوفى هو مفعولُ "يُجْزاه" وليس بمصدرٍ لأنَّه وَصَفَه بالأَوْفى، وذلك مِنْ صفةِ المَجْزِيِّ به لا من صفةِ الفعلِ". قلت: وهذا لا يَبْعُدُ عن الغلطِ؛ لأنه يلزَمُ أَنْ يتعدَّى يُجْزى إلى ثلاثةِ مفاعيل. بيانه: أنَّ الأولَ قام مقامَ الفاعلِ، والثاني: الهاءُ التي هي ضميرُ السعي، والثالث: الجزاءَ الأوفى. وأيضاً فكيف يَنْتَظم المعنى؟ وقد يُجاب عنه: بأنه أراد أنه بدلٌ من الهاءِ كما تقدَّم نَقْلُه عن الزمخشريَّ فيَصِحُّ أَنْ يُقالَ: هو مفعولُ "يُجْزاه"، فلا يتعدَّى لثلاثةٍ حينئذٍ، إلاَّ أنه بعيدٌ مِنْ غَرَضِه، ومثلُ هذا إلغازٌ. وأمَّا قولُه: "والأوفى ليس من صفات الفعل" ممنوعٌ، بل هو من صفاتِه مجازٌ، كما يُوْصف به المجزيُّ به مجازاً، فإن الحقيقةَ في كليهما منتفيةٌ، وإنما المُتَّصِفُ به حقيقةُ المُجازَى.