التفاسير

< >
عرض

فَإِذَا ٱنشَقَّتِ ٱلسَّمَآءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَٱلدِّهَانِ
٣٧
-الرحمن

الدر المصون

قوله: { فَإِذَا ٱنشَقَّتِ }: جوابُه مقدرٌ أي: رأيت هَوْلاً عظيماً، أو كان ما كان.
قوله: { وَرْدَةً } أي: مثلَ وَرْدَةٍ فقيل: هي الزهرة المعروفة التي تُشَمُّ، شَبَّهها بها في الحُمْرة، وأنشد:

4181ـ فلو كُنْتُ وَرْداً لَوْنُه لعَشِقْنَني ولكنَّ ربي شانَني بسَواديا

وقيل: هي من لَوْنِ الفَرَسِ الوَرْد، وإنما أُنِّثَ لكونِ السماءِ مؤنثةً. وقال الفراء: "أراد لونَ الفرسِ الوَرْدِ، يكون في الربيع إلى الصفرة، وفي الشتاء إلى الحُمْرة، وفي اشتدادِ البَرْدِ إلى الغُبْرة، فشبَّه تلوُّنَ السماءِ بتلَوُّنِ الوَرْدَةِ من الخيل". وقرأ عبيد بن عمير "وَرْدَةٌ" بالرفع. قال الزمخشري: "بمعنى: فَحَصَلَتْ سماءٌ وردةٌ، وهو من الكلام الذي يُسَمَّى التجريدَ، كقوله:

4182ـ فَلَئِنْ بَقِيْتُ لأَرْحَلَنَّ بِغَزْوةٍ تَحْوِي الغنائمَ أو يموتَُ كريمُ

قوله: { كَٱلدِّهَانِ } يجوز أن يكونَ خبراً ثانياً، وأَنْ يكونَ نعتاً لوردة. وأَنْ يكونَ حالاً من اسم "كانت". وفي "الدِّهان" قولان، أحدُهما: أنه جمعُ دُهْن نحو: قُرْط وقِراط، ورُمْح ورِماح، وهو في معنى قوله: { يَوْمَ تَكُونُ ٱلسَّمَآءُ كَٱلْمُهْلِ } [المعارج: 8].
وهو دُرْدِيُّ الزَّيْتِ. والثاني: أنه اسمٌ مفردٌ، فقال الزمخشري: "اسمُ ما يُدْهَنُ به كالجِزام والإِدام وأنشد:

4183ـ كأنَّهما مَزادَتا مُتَعَجِّلٍ فَرِيَّانِ لَمَّا تُدْهَنا بدِهان

/ وقال غيرُه: هو الأديمُ الأحمرُ، وأنشد للأعشى:

4184ـ وأَجْرَدَ مِنْ كِرامِ الخَيْلِ طِرْفٍ كأنَّ على شَواكِله دِهانا

أي: أديماً أحمرَ، وهذا يَحْتمل أنْ يكونَ جمعاً. ويؤيِّده ما أنشده منذرُ بنُ سعيد:

4185ـ يَبِعْنَ الدِّهانَ الحُمْرَ كلَّ عَشِيَّةٍ بموسِمِ بَدْرٍ أو بسُوْقِ عُكاظِ

فقوله "الحُمْرَ" يؤيِّدُ كونَه جمعاً، وقد يُقال: هو كقولِهم: "أهلك الناسَ الدينارُ الحُمْرُ والدرهمُ البِيْضُ"، إلاَّ أنَّه خِلافُ الأصلِ. وقيل: شُبِّهَتْ بالدِّهانِ، وهو الزَيْتُ لذَوْبِها ودَوَرانِها، وقيل: لبَريقِها.