التفاسير

< >
عرض

لاَّ يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلاَ يُنزِفُونَ
١٩
-الواقعة

الدر المصون

قوله: { لاَّ يُصَدَّعُونَ }: يجوزُ أَنْ تكونَ مستأنفة أخبر عنهم بذلك، وأن تكونَ حالاً من الضمير في "عليهم" ومعنى لا يُصَدَّعون عنها أي: بسببها. قال الزمخشري: "وحقيقتُه: لا يَصْدُرُ صُداعُهم عنها" والصُّداع: هو الداءُ المعروفُ الذي يَلْحَقُ الإِنسانَ في رأسِه، والخمر تؤثِّر فيه. قال علقمة بن عبدة في وصف الخمر:

4210ـ تَشْفي الصُّداعَ ولا يُؤْذِيك صالبُها ولا يخالِطُها في الرأس تدويمُ

ولما قرأت هذا الديوان على الشيخ أثير الدين أبي حيانرحمه الله قال لي: هذه صفةُ خمر الجنة. وقال لي: لَمَّا قرأتُه على الشيخ أبي جعفر ابن الزبير قال لي: هذه صفةُ خمر الجنة. وقيل: لا يُصَدَّعون: لا يُفَرَّقون كما يتفرَّق الشَّربُ عن الشَّراب للعوارض الدنيوية. ومِنْ مجيء تَصَدَّعَ بمعنى تَفَرَّق قولُه: "فتصدَّع السحابُ عن المدينة"، أي: تفرَّق. ويُرَجِّحه قراءةُ مجاهد "لا يَصَّدَّعون" بفتح الياءِ وتشديد الصادِ. والأصلُ: يَتَصَدَّعون، أي: يتفرَّقون كقوله تعالى: { يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ } [الروم: 43]. وحكى الزمخشري قراءةً وهي "لا يُصَدِّعون" بضم الياء وتخفيفِ الصادِ وكسرِ الدال مشددةً. قال: أي لا يُصَدِّعُ بعضُهم بعضاً، أي: لا يُفَرِّقُونهم. وتقدَّم الخلافُ بين السبعة في "يُنزِفُونَ" وتفسيرُ ذلك.
وقرأ ابن أبي إسحاق بفتح الياء وكسر الزاي مِنْ نَزَفَ البِئْرُ، أي: اسْتُقِيَ ما فيها. والمعنى: لا تَنْفَدُ خمرُهم. قال الشيخ: "وابن أبي إسحاق أيضاً، وعبد الله والجحدريُّ والأعمش وطلحة وعيسى، بضمِّ الياء وكسر الزاي أي: لا يَفْنى لهم شراب". قلت: وهذا عجيبٌ منه فإنَّه قد تقدَّم في الصافات أن الكوفيين يَقْرَؤون في الواقعة بكسر الزاي، وقد نقل هو هذه القراءة في قصيدته.