التفاسير

< >
عرض

تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
١١
-الصف

الدر المصون

قوله: { تُؤْمِنُونَ }: لا محلَّ له لأنه تفسير لتجارة. ويجوز أَنْ يكونَ محلُّها الرفعَ خبراً لمبتدأ مضمرٍ أي: تلك التجارةُ تؤُمنون، والخبرُ نفسُ المبتدأ فلا حاجةَ إلى رابطٍ، وأَنْ تكونَ منصوبةَ المحلِّ بإضمارِ فعلٍ أي: أعني تؤْمنون. وجاز ذلك على تقديرِ "أَنْ" وفيه تَعَسُّفٌ. والعامَّةٌ على "تُؤْمنون" خبراً لفظاً ثابتَ النون. وعبد الله "آمِنوا" و "جاهِدوا" أمرَيْن. وزيد بن علي "تؤمنوا" و "تجاهِدوا" بحذف نونِ الرفع. فأمَّا قراءةُ العامَّة فالخبرُ بمعنى الأمرِ يَدُلُّ عليه القراءتان الشاذَّتان؛ فإن قراءةَ زيدِ بنِ علي على حَذْفِ لام الأمر أي: لِتؤمنوا ولتجاهِدوا كقوله:

4259ـ محمدُ تَفْدِ نَفْسَك كلُّ نفسٍ ............................

وقوله: { قُل لِّعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يُقِيمُواْ } [إبراهيم: 31] في وجهٍ أي: لِتَفْدِ، وليقيموا، ولذلك جُزِمَ الفعلُ في جوابِه في قولِه: "يَغْفِرْ" وكذلك قولُهم: "اتقى اللَّهَ امرؤ فَعَلَ خيراً يُثَبْ عليه" تقديرُه: ليتقِ اللهَ. وقال الأخفش: "إنَّ "تؤمنون" عطفُ بيان لتجارة" وهذا لا يُتَخَيَّلُ إلاَّ بتأويل أن يكونَ الأصلُ: أنْ تؤمنوا فلمَّا حَذَفَ "أن" ارتفع الفعلُ كقوله:

4260ـ ألا أيُّهذا الزَّاجِريْ أَحْضُرُ الوغَى ..........................

الأصل: أن أَحْضُرَ. وكأنه قيل: هل أدلُّكم على تجارة مُنْجية: إيمانٍ وجهاد. وهو معنى حسنٌ لولا ما فيه من التأويل. وعلى هذا فيجوزُ أَنْ يكونَ بدلاً مِنْ تجارة. وقال الفراء: هو مجزومٌ على جوابِ الاستفهام وهو قولُه: "هل أدلُّكم" واختلف الناسُ في تصحيح هذا القولِ: فبعضُهم/ غلَّطه. قال الزجاج: ليسُوا إذا دَلَّهم على ما ينفعهم يَغْفِرُ لهم، إنما يغفر لهم إذا آمنوا وجاهدوا" يعني أنه ليس مرتَّباً على مجرد الاستفهام ولا على مجرَّدِ الدلالة. وقال المهدوي: "إنما يَصِحُّ حَمْلاً على المعنى: وهو أَنْ يكونَ "يؤمنون" ويُجاهدون عطفَ بيان على قولِه: "هل أدلُّكم" كأنَّ التجارةَ لم يُدْرَ ما هي؟ فبُيِّنَتْ بالإِيمان والجهاد، فهي هما في المعنى فكأنه قيل: هل تُؤْمنون وتجاهدون؟ قال: فإنْ لم تقدِّر هذا التقديرَ لم يَصِحَّ؛ لأنه يَصيرُ: إنْ دُلِلْتُمْ يَغْفِرْ لكم. والغُفْرانُ إنما يجبُ بالقَبولِ والإِيمانِ لا بالدَّلالةِ. وقال الزمخشري قريباً منه أيضاً. وقال أيضاً: "إنَّ "تُؤْمنون" استئنافٌ، كأنهم قالوا: كيف نعملُ؟ فقال: تؤْمنون". وقال ابن عطية: "تُؤْمنون فعلٌ مرفوعٌ، تقديرُه: ذلك أنَّه تُؤْمنون"، فجعله خبراً لـ "أَنَّ"، وهي وما في حَيِّزها خبرٌ لمبتدأ محذوفٍ. وهذا محمولٌ على تفسيرِ المعنى لا تفسيرِ الإِعرابِ، فإنَّه لا حاجةَ إليه.