قوله: { إِذَا طَلَّقْتُمُ }: فيه أوجهٌ، أحدُها: أنه خطابٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم بلفظ الجمع تعظيماً كقوله:
4271ـ فإنْ شِئْتِ حَرَّمْتُ النساءَ سواكمُ وإن شِئْتِ لم أَطْعَمْ نُقاخاً ولا بَرْدا
/ الثاني: أنه خطابٌ له ولأمَّته والتقدير: يا أيها النبيُّ وأمَّتَه إذا طلَّقْتُمْ فحذف المعطوفَ لدلالةِ ما بعده عليه، كقوله:
4272ـ ..................... إذا حَذْفَتْه رِجْلُها ................
أي، ويَدُها، وتقدَّم هذا في سورة النحل عند { تَقِيكُمُ ٱلْحَرَّ } [النحل: 81]. الثالث: أنه خطابٌ لأمَّتِه فقط بعد ندائِه عليه السلام، وهو مِنْ تلوينِ الخطابِ خاطبَ أمتَه بعد أَنْ خاطبه. الرابع: أنَّه على إضمارِ قول، أي: يا أيها النبيُّ قُلْ لأمتك: إذا طلَّقتْم. الخامس: قال الزمخشري: "خصَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم بالنداء وعَمَّ بالخطابِ؛ لأنَّ النبيَّ إمامُ أمَّتِه وقُدْوَتُهم، كما يُقال لرئيس القومِ وكبيرِهم: يا فلانُ افعلوا كيتَ وكيتَ اعتباراً بتقدُّمِه وإظهاراً لترؤُّسه" في كلامٍ حسنٍ، وهذا هو معنى القولِ الثالثِ الذي قَدَّمْتُه.
وقوله: { إِذَا طَلَّقْتُمُ }، أي: إذا أَرَدْتُمْ كقولِه: { إِذَا قُمْتُمْ إِلَى ٱلصَّلاةِ } } [المائدة: 6] { فَإِذَا قَرَأْتَ ٱلْقُرْآنَ } [النحل: 98] وتقدَّم تحقيقُ ذلك.
قوله: { لِعِدَّتِهِنَّ } قال الزمخشري: "مُسْتَقْبِلاتٍ لِعِدَّتهن، كقولِك: "أتيتُه لِلَيْلَةٍ بَقِيَتْ من المحرَّم"، أي: مُسْتقبلاً لها، وفي قراءةِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم "في قُبُل عِدَّتِهِنَّ" انتهى. وناقشه الشيخ في تقديره الحالَ التي تَعلَّق بها الجارُّ كوناً خاصاً. وقال: "الجارُّ إذا وقع حالاً إنما يتعلَّق بكونٍ مطلقٍ" وفي مناقَشَتِه نظرٌ لأنَّ الزمخشري لم يَجْعَل الجارَّ حالاً بل جَعَلَه متعلِّقَاً بمحذوف دَلَّ عليه معنى الكلامِ. وقال أبو البقاء: "لِعِدَّتِهِنَّ، أي: عند أول ما يُعْتَدُّ لهنَّ به، وهُنَّ في قُبُل الطُّهْر" وهذا منه تفسيرُ معنى لا تفسيرُ إعرابٍ. وقال الشيخ: "هو على حَذْفِ مضاف، أي: لاستقبالٍ عِدَّتِهِن، واللامُ للتوقيت نحو: لَقِيْتُه لِلَيْلَةٍ بَقِيْتَ مِنْ شهرِ كذا" انتهى. فعلى هذا تتعلَّقُ اللامُ بـ "طَلِّقُوهن".
قولِه: { لَعَلَّ ٱللَّهَ } هذه الجملةُ مستأنفةٌ لا تعلُّقَ بما لها بما قبلَها؛ لأنَّ النحاةَ لم يَعُدُّوها في المُعلِّقات. وقد جَعَلَها الشيخ. مِمَّا يَنْبغي أَنْ يُعَدَّ فيهنَّ، وقَرَّر ذلك في قوله: { وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ } [الأنبياء: 111] فهناك يُطْلَبُ تحريرُه.