التفاسير

< >
عرض

فَإِذَا جَآءَتْهُمُ ٱلْحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هَـٰذِهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ أَلاۤ إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ ٱللَّهِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ
١٣١
-الأعراف

الدر المصون

قوله تعالى: { فَإِذَا جَآءَتْهُمُ ٱلْحَسَنَةُ }: أتى في جانب الحسنة بـ إذا التي للمحقق. وعُرِّفَتِ الحسنة لسَعة رحمة الله تعالى، ولأنها أمر محبوب، كلُّ أحدٍ يتمناه، وأتى في جانب السيئة بـ "إنْ" التي للمشكوك فيه، ونُكِّرتِ السيئة لأنه أمرٌ كلُّ أحدٍ يَحْذره. وقد أوضح الزمخشري ذلك فقال: "فإن قلتَ: كيف قيل { فَإِذَا جَآءَتْهُمُ ٱلْحَسَنَةُ } بـ "إذا" وتعريف الحسنة، و { وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ } بـ "إن" وتنكير السيئة؟ قلت: لأنَّ جنسَ وقوعِه كالواجب واتساعه، وأمَّا السيئة فلا تقع إلا في الندرة ولا يقع إلا شيء منها". انتهى. وهذا من محاسن علم البيان.
قوله: { يَطَّيَّرُواْ } الأصلُ: يتطيَّروا فَأُدْغمت التاء في الطاء لمقاربتها لها. وقرأ عيسى بن عمر وطلحة بن مصرف: "تطيَّروا" بتاءٍ من فوق على أنه فعلٌ ماضٍ وهو عند سيبويه وأتباعه ضرورة، إذ لا يقع فعل الشرط مضارعاً والجزاء ماضياً إلا ضرورةً كقوله:

2270ـ مَنْ يَكِدْني بِسَيِّءٍ كنتُ منه كالشَّجا بين حَلْقِه والوريد

وقوله:

2271ـ وإن يَرَوا سُبَّة طاروا بها فَرَحاً مني وما سمعوا مِنْ صالحٍ دَفَنُوا

وقد تقدَّم الخلاف في ذلك فأغنى عن إعادته.
والتطيُّر: التشاؤم وأصله أن يُفَرَّق المالُ ويطير بين القوم، فيطير لكل أحدٍ حظُّه وما يخصُّه، ثم أُطْلق على الحظ والنصيب السَّيِّئ بالغلبة، وأنشدوا للبيد:

2272ـ تطير عَدائِدُ الأشراكِ شَفْعاً ووِتْراً والزَّعامةُ للغلام

الأَشْراك: جمعُ شِرْك وهو النصيب، أي: طار المال المقسوم شَفْعاً للذَّكر ووِتْراً للأنثى. والزَّعامة: أي: الرئاسة للذكر، فهذا معناه تفرَّق، وصار لكل أحد نصيبُه، وليس من الشؤم في شيءٍ، ثم غَلَبَ على ما ذكرت لك. ومعنى { طَائِرُهُمْ عِندَ ٱللَّهِ } أي: حظهم وما طار لهم في القضاء والقدر، أو شؤمهم، أي: سبب شؤمِهم عند الله وهو ما يُنْزِلُه بهم.