التفاسير

< >
عرض

قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ ٱلْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَٱلإِثْمَ وَٱلْبَغْيَ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ
٣٣
-الأعراف

الدر المصون

قوله تعالى: { مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ }: تقدَّم في آخر السورة قبلها. وقوله: "والإِثم" الظاهرُ أنها الذنب. وقيل: هو الخمر هنا، قاله الفضل وأنشد:

2187ـ نهانا رسولُ الله أَنْ نقرَب الزِّنى وأن نشرب الإِثمَ الذي يُوجب الوِزْرا

وأنشد الأصمعي:

2188ـ ورُحْتُ حزيناً ذاهلَ العقل بعدهمْ كأني شربتُ الإِثمَ أو مَسَّني خَبَلُ

قال: وقد تُسَمَّى الخمرُ إثماً، وأنشد:

2189ـ شَرِبْتُ الإِثمَ حتى ضَلَّ عقلي كذاك الإِثمُ يَذْهب بالعقولِ

ويُروى عن ابن عباس والحسن البصري أنهما قالا: "الإِثم: الخمر". قال الحسن: "وتصديق ذلك قولُه: { قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ } [البقرة: 219] والذي قاله الحذَّاقُ: إن الإِثم ليس من أسماء الخمر. قال ابن الأنباري: "الإثم لا يكون اسماً للخمر؛ لأن العرب لم تُسَمِّ الخمر إثماً في جاهلية ولا إسلام، وقول ابن عباس والحسن لا ينافي ذلك، لأن الخمر سبب الإِثم بل هي معظمه فإنها مؤجِّجةٌ للفتن، وكيف يكون ذلك وكانت الخمرُ حين نزول هذه السورة حلالاً؛ لأن هذه السورةَ مكية، وتحريمُ الخمر إنما كان في المدينة بعد أُحُدٍ، وقد شربها جماعةٌ من الصحابة يوم أحد فماتوا شهداء وهي في أجوافهم. وأمَّا ما أنشده الأصمعي من قوله "شَرِبت الإِثم" فقد نَصُّوا أنه مصنوعٌ، وأما غيره فالله أعلم".
و { بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ } حالٌ، وهي مؤكدة لأن البغي لا يكون إلا بغير حق و "أَنْ تُشْرِكوا" منصوبُ المحلِّ نسقاً على مفعول "حَرَّمَ" أي: وحَرَّم إشراكَكَم عليكم، ومفعولُ الإِشراك { مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً } وقد تقدَّم بيانُه في الأنعام. و { أَن تقولوا } أيضاً نسقٌ على ما قبله أي: وحرَّم قولكم عليه مِنْ غير علمٍ. وقال الزمخشري: "ما لم يُنّزِّل به سلطاناً: تهكُّمٌ بهم لأنه/ لا يجوزُ أن يُنْزِلَ برهاناً أَنْ يُشْرَكَ به غيرُه".