التفاسير

< >
عرض

عَنِ ٱلْيَمِينِ وَعَنِ ٱلشِّمَالِ عِزِينَ
٣٧
-المعارج

الدر المصون

قوله: { عِزِينَ }: حالٌ من "للذين كفروا" وقيل: حالٌ من الضمير في "مُهْطِعين"، فتكون حالاً متداخلةً. و "عن اليمين" يجوزُ أَنْ يتعلَّقَ بـ "عِزين" لأنه بمعنى متفرِّقين، قاله أبو البقاء، وأَنْ يتعلَّقُ بمُهْطِعين، أي: مُسْرِعِين عن هاتَيْن الجهتَين، وأَنْ يتعلَّقَ بمحذوفٍ على أنَّه حالٌ، أي: كائنين عن اليمين، قاله أبو البقاء. وعِزِيْن جمعُ "عِزَة" والعِزَةُ: الجماعة، قال مكي: "وإنما جُمِع بالواوِ/ والنونِ لأنه مؤنثٌ لا يَعْقِلُ؛ لكونَ ذلك عِوَضاً مِمَّا حُذِفَ منه. قيل: إنَّ أصلَه عِزْهَة، كما أنَّ أصلَ سَنَةَ سَنْهَة ثم حُذِفَتِ الهاءُ" انتهى. قوله: "لا يَعْقِلُ" سهوٌ لأنَّ الاعتبارَ بالمدلولِ، ومدلولُه بلا شك عقلاءُ.
واختلفوا في لام "عِزَة" على ثلاثةِ أقوالٍ، أحدُها: أنَّها واوٌ مِنْ عَزَوْتُه أَعْزُوْه، أي: نَسَبْتُه؛ وذلك أنَّ المنسوبَ مضمومٌ إلى المنسوبِ إليه، كما أنَّ كلَّ جماعةٍ مضمومٌ بعضُها إلى بعضٍ. الثاني: أنَّها ياءٌ، إذ يُقال: عَزَيْتُه بالياء، أَعْزِيْهِ بمعنى: عَزَوْته، فعلى هذا في لامِها لغتان، الثالث: أنها هاءٌ، ويُجْمَعُ تكسيراً على عِزَىً نحو: كِسْرة وكِسَر، واسْتُغْنِي بهذا التكسيرِ عن جمعِها بالألفِ والتاءِ، فلم يقولوا: عِزات كما لم يقولوا في شَفَة وأَمَة: شِفات ولا إمات استغناءً بشِفاهٍ وإماءٍ، وقد كَثُرَ ورودُه مجموعاً بالواوِ والنون. قال الراعي:

4332ـ أخليفةَ الرحمنِ إنَّ عَشيرتي أَمسَوْا سَوامُهُمُ عِزِيْنَ فُلُوْلا

وقال الكميت:

4333ـ ونحن وجَنْدَلٌ باغٍ تَرَكْناكتائبَ جَنْدَلٍ شَتَّى عِزِيْنا

وقال عنترة:

4334ـ وقِرنٍ قد تَرَكْتُ لِذي وَلِيٍّ عليه الطيرُ كالعُصَبِ العِزِيْن

وقال آخر:

4335ـ ترانا عنده والليلُ داجٍ على أبوابِه حِلَقاً عِزِيْنا

وقال آخر:

4336ـ فلما أَنْ أَتَيْنَ على أُضاخٍ تَرَكْنَ حَصاه أَشْتاتاً عِزينا

والعِزَةُ لغةً: الجماعةُ في تَفْرِقَةً. هذا قولُ أبي عبيدة. وقال الأصمعيُّ: "العِزُون: الأصناف. يقال: في الدار عِزُون، أي: أصناف" وقال غيرُه: الجماعةُ اليسيرةُ كالثلاثةِ والأربعةِ. وقال الراغب: "وقيل: هو مِنْ قولِهم: عَزِيَ عَزاءً فهو عَزٍ إذا صَبَرَ، وتَعَزَّى: تَصَبَّر، فكأنها اسمٌ للجماعة التي يتأسَّى بعضُهم ببعض.