التفاسير

< >
عرض

وَأَنَّا مِنَّا ٱلصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَآئِقَ قِدَداً
١١
-الجن

الدر المصون

قوله: { وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ }: فيه وجهان، أحدُهما: أنَّ "دونَ" بمعنى "غير"، أي: ومِنَّا غيرُ الصالحين، وهو مبتدأٌ، وإنما فُتِحَ لإِضافتِه إلى غيرِ متمكِّنٍِ، كقوله: { لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ } [الأنعام: 94] فيمَنْ نَصَبَ على أحدِ الأقوالِ، وإلى هذا نحا الأخفشُ. والثاني: أنَّ "دونَ" على بابِها من الظرفية، وأنها صفةٌ لمحذوفٍ تقديرُه: ومنا فريقٌ ـ أو فوجٌ ـ دونَ ذلك وحَذْفُ الموصوفِ مع "مِنْ "التبعيضيَّةِ يَكْثرُ كقولِهم: منا ظَعَنَ ومنَّا أقام، أي: مِنَّا فريقٌ. والمعنى: ومِنَّا صالحون دونَ أولئك في الصَّلاح.
قوله: { كُنَّا طَرَآئِقَ } فيه أوجهٌ، أحدُها: أنَّ التقديرَ: كنَّا ذوي طرائقَ، أي: ذوي مذاهبَ مختلفةٍ. الثاني: أنَّ التقدير: كُنَّا في اختلاف أحوالِنا مثلَ الطرائقِ المختلفةِ. الثالث: أنَّ التقدير: كُنَّا في طرائقَ مختلفةٍ كقولِه:

4353ـ .......................... كما عَسَل الطريقَ الثَّعْلَبُ

الرابع: أنَّ التقديرَ: كانَتْ طرائقُنا قِدَداً، على حَذْفِ المضاف الذي هو الطرائقُ، وإقامةِ الضميرِ المضافِ إليه مُقامَه، قاله الزمخشري، فقد جَعَلَ في ثلاثة أوجهٍ مضافاً محذوفاً؛ لأنَّه قَدَّرَ في الأول: ذوي، وفي الثاني: مِثْلَ، وفي الثالث: طرائقنا. ورَدَّ عليه الشيخ قولَه: كُنَّا في طرائق كقولِه:

............................كما عَسَلَ الطريقَ الثعلبُ

بأنَّ هذا لا يجوزُ إلاَّ في ضرورةٍ أو نُدورٍ، فلا يُخْرَّج القرآن عليه، يعني تَعَدِّيَ الفعلِ بنفسِه إلى ظرفِ المكانِ المختصِّ.
والقِدَدُ: جمعُ قِدَّة، والمرادُ بها الطريقة، وأصلُها السيرةُ يقال: قِدَّةُ فلانٍ حسنةٌ أي: سِيرتُه وهو مِنْ قَدَّ السَّيْرَ أي: قَطَعَه على استواءٍ/ فاسْتُعير للسِّيرةِ المعتدلةِ قال:

4354ـ القابِضُ الباسِطُ الهادِيْ بطاعتِه في فِتْنة الناسِ إذا أهواؤُهم قِدَدُ

وقال آخر:

4355ـ جَمَعْتَ بالرأيِ مِنهم كلَّ رافضةٍ إذ هم طرائقُ في أهوائِهم قِدَدُ