التفاسير

< >
عرض

لِّيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُواْ رِسَالاَتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَىٰ كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً
٢٨
-الجن

الدر المصون

قوله: { لِّيَعْلَمَ }: متعلقٌ بـ "يَسْلُكُ". والعامَّةُ على بنائه للفاعلِ. وفيه خلافٌ أي: لِيَعْلَمَ محمدٌ صلَّى الله عليه وسلَّم. وقيل: لِيَعْلَمَ أي: ليَظْهَرَ عِلْمُه للناس. وقيل: ليَعْلَمَ إبليسُ. وقيل: ليَعْلَمَ المشركون. وقيل: لِيَعْلَمَ الملائكةُ، وهما ضعيفان لإِفرادِ الضميرِ. والضميرُ في "أَبْلَغُوا" عائدٌ على "مَنْ" مِنْ قولِه: "مَنْ ارتَضَى" راعى لفظَها أولاً، فأفردَ في قولِه: { مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ }، ومعناها ثانياً فَجَمَعَ في قولِه: "أَبْلَغُوا" إلى آخرِه.
وقرأ ابنُ عباس وزيدُ علي "لِيُعْلَمَ" مبنياً للمفعول. وقرأ ابن أبي عبلةَ والزُّهْري "لِيُعْلِمَ" بضمِّ الياءِ وكسرِ اللامِ أي: لِيُعْلِمَ اللَّهُ ورسولُه بذلك. وقرأ أبو حيوة "رسالة" بالإِفرادِ، والمرادُ الجمعُ. وابن أبي عبلة "وأُحِيْط وأُحْصِيَ" مبنيين للمفعول، "كلُّ" رفعٌ بأُحْصِي.
قوله: { عَدَداً } يجوزُ أَنْ يكونَ تمييزاً منقولاً من المفعولِ به. والأصل: أحصى عددَ كلِّ شيءٍ كقولِه تعالى:
{ وَفَجَّرْنَا ٱلأَرْضَ عُيُوناً } [القمر: 12] أي: عيونَ الأرض، على خلافٍ سَبَقَ في ذلك. ويجوزُ أَنْ يكونَ منصوباً على المصدرِ من المعنى؛ لأنَّ "أحصَى" بمعنى عَدَّ، فكأنه قيل: وعَدَّ كلَّ الفعل، والفعلُ إلى المصدر. ومَنَعَ مكي كونَه مصدراً للإِظهار فقال: "عَدَداً" نَصْبٌ على البيانِ، ولو كان مصدراً لأدغم" قلت: يعني: أنَّ قياسَه أَنْ يكونَ على فَعْل بسكونِ العين، لكنه غيرُ لازمٍ فجاء مصدرُه بفتح العين. ولمَّا كان "لِيَعْلَمَ" مضمَّناً معنى: قد عَلِمَ ذلك، جازَ عَطْفُ "وأحاط" على ذلك المقدَّرِ.