التفاسير

< >
عرض

عَلَى ٱلْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ
١٠
-المدثر

الدر المصون

قوله: { عَلَى ٱلْكَافِرِينَ }: فيه خمسةُ أوجهٍ، أحدُها: أَنْ يتعلَّق بـ "عسير". الثاني: أَنْ يتعلَّقَ بمحذوفٍ على أنه نعتٌ لـ عسير. الثالث: أنه في موضع نصبٍ على الحالِ من الضميرِ المستكنِّ في "عسير". الرابع: أن يتعلَّقَ بـ "يَسير" أي: غيرُ يسيرٍ على الكافرين، قاله أبو البقاء، إلاَّ أنَّ فيه تقديمَ معمولِ المضافِ إليه على المضافِ، وهو ممنوعٌ، وقد جَوَّز ذلك بعضُهم إذا كان المضاف "غيرَ" بمعنى النفي كقولِه:

4383ـ إنَّ امرَأً خَصَّني عمْداً مَوَدَّتَه على التنائي لَعِنْدي غيرُ مَكْفورِ

وتقدَّم تحريرُ هذا آخرَ الفاتحةِ مُشْبَعاً، فعليكَ باعتبارِه ثَمَّة. الخامس: أن يتعلَّق بما دَلَّ عليه "غيرُ يسير" أي: لا يَسْهُلُ على الكافرين. قال الزمخشري: "فإنْ قلتَ فما فائدةُ قولِه: "غيرُ يسير" و "عَسير" مُغْنٍ عنه؟ قلت: لَمَّا قال "على الكافرين" فقَصَرَ العُسْرَ عليهم قال: "غيرُ يَسير" لِيُؤْذَنَ بأنه لا يكونُ عليهم كما يكون على المؤمنين يَسيراً هَيِّناً ليجمعَ بين وعيدِ الكافرين وزيادةِ غَيْظهم وتبشير المؤمنين وتَسْلِيتهم. ويجوز أن يُراد: عسيرٌ لا يُرْجَى أن يَرْجِعَ يسيراً، كما يُرْجى تيسيرُ العسيرِ من أمورِ الدنيا".
وقوله: { نُقِرَ فِي ٱلنَّاقُورِ } أي صُوِّتَ يقال: نَقَرْتُ الرجلَ إذا صَوَّتَّ له بلسانِك وذلك بأَنْ تُلْصِقَ لسانَك بنُقْرَة حَنكِكَ. ونَقَرْتُ الرجلَ: إذا خَصَصْتَه بالدعوة، كأنك نَقَرْتَ له بلسانِك مُشيراً إليه، وتلك الدعوةُ يقال لها النَّقَرى، وهي ضدُّ الدعوةِ الجَفَلَى. قال الشاعر:

4384ـ نحن في المَشْتاةِ نَدْعُو الجَفَلَى لا تَرَى الآدِبَ فينا يَنْتَقِرْ

/ وقال امرؤ القيس:

4385ـ أنا ابنُ ماوِيَّةَ إذْ جَدَّ النُّقُرْ

يريد: "النَّقْرُ" أي: الصوتُ. وقال أيضاً:

4386ـ أُخَفِّضُه بالنَّقْرِ لَمَّا عَلَوْتُه ويَرْفَعُ طَرْفاً غيرَ جافٍ غَضِيضٍ

والنَّاقُور: فاعُوْل منه كالجاسوسِ مِنَ التَجَسُّسِ، وهو الشيءُ المُصوَّتُ فيه: وفي التفسير: إنَّه الصُّورُ الذي يَنْفَخُ فيه المَلَكُ. والنَّقْرُ أيضاً: قَرْعُ الشيءِ الصُّلْبِ. والمِنْقارُ: الحَديدةُ التي يُنْقَرُ بها. ونَقَرْتُ عنه: بَحَثْتُ عن أخبارِه، استعارةً من ذلك. ونَقَرْتُه: أَعبْتُه، ومنه قولُ امرأةٍ لزَوْجِها: "مُرَّ بي على بني نَظَرٍ، ولا تَمرَّ بي على بناتِ نَقَرٍ" أرادت ببنين نَظَرٍ الرجالُ؛ لأنهم ينظرون إليها، وببنات نَقَرٍ النساءَ لأنهنَّ يُعِبْنها ويَنْقُرْنَ عن أحوالِها.