التفاسير

< >
عرض

لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ
٢٩
-المدثر

الدر المصون

قوله: { لَوَّاحَةٌ }: قرأ العامَّةُ بالرفع خبرَ مبتدأ مضمر، أي: هي لَوَّاحَةٌ. وهذه مُقَوِّيةٌ للاستئنافِ في "لا تُبْقي". وقرأ الحسن وابنُ أبي عبلة وزيدُ بن علي وعطيةُ العَوْفي بنَصْبِها على الحال، وفيها ثلاثةُ أوجهٍ، أحدها: أنها حالٌ مِنْ "سقرُ" والعاملُ معنى التعظيمِ كما تقدَّم. والثاني: أنها حالٌ مِنْ "لا تُبْقي". والثالث: مِنْ "لا تذرُ". وجَعَلَ الزمخشري نَصْبَها على الاختصاصِ للتهويل، وجعلها الشيخ حالاً مؤكدة قال: "لأنَّ النارَ التي لا تُبْقي ولا تَذَرُ لا تكونُ إلاَّ مُغَيِّرةً للإِبشارِ"ولَوَّاحَةٌ" بناءُ مبالغةٍ، وفيها معنيان، أحدهما: مِنْ لاح يَلُوح، أي: ظهر، أي: إنها تظهر للبَشَرِ وهم الناسُ، وإليه ذهب الحسن وابن كَيْسان. والثاني: - وإليه ذهبَ جمهورُ الناس ـ أنها مِنْ لوَّحه، أي: غَيَّره وسَوَّده. قال الشاعر:

4390ـ وتعجَبُ هندٌ أَنْ رَأَتْنِيَ شاحباً تقول: لَشَيءٌ لوَّحَتْه السَّمائِمُ

ويقال: لاحَه يَلُوْحه: إذا غَيَّر حِلْيَتَيْه، وأُنْشِد:

4391ـ تقول: ما لاحك يا مسافِرُ يا بنةَ عمِّي لاحَني الهواجِرُ

وقيل: اللَّوحُ شِدَّةُ العَطَشِ. يقال: لاحَه العطشَ ولَوَّحَه، أي: غَيَّره، وأُنْشدِ:

4392ـ سَقَتْني على لَوْحٍ مِنْ الماءِ شَرْبَةً سَقاها به اللَّهُ الرِّهامَ الغَواديا

واللُّوْحُ بالضمِّ: الهواءُ بين السماءِ والأرضِ، والبَشَرُ: إمَّا جَمْعُ بَشَرَة، أي: مُغَيِّرة للجُلود، [وإمَّا المُرادُ به الإِنْسُ] واللامُ في "للبَشَرِ" مُقَوِّيَةٌ كهي في { لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ } [يوسف: 43]، وقراءةُ النصبِ في "لَوَّاحَةً" مقوِّيَةٌ لكونِ "لا تُبْقي" في محلِّ الحالِ.