التفاسير

< >
عرض

إِنَّا هَدَيْنَاهُ ٱلسَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً
٣
-الإنسان

الدر المصون

قوله: { إِمَّا شَاكِراً }: "شاكراً" نصبٌ على الحال، وفيه وجهان، أحدُهما: أنه حالٌ مِنْ مفعولِ "هَدَيْناه"، أي: هَدَيْناه مُبَيَّناً له كلتا حالتيه. قال أبو البقاء: "وقيل: هي حالٌ مقدرةٌ". قلت: لأنه حَمَلَ الهدايةَ على أولِ البيانِ له، و [هو] في ذلك الوقتِ غيرُ مُتَّصِفٍ بإحدى الصفتَيْنِ. والثاني: أنه حالٌ من "السبيل" على المجاز. قال الزمخشري: "ويجوزُ أن يكونا حالَيْن من "السبيل"، أي: عَرَّفْناه السبيلَ إمَّا سبيلاً شاكِراً، وإمَّا سبيلاً كَفُوراً كقوله: { وَهَدَيْنَاهُ ٱلنَّجْدَينِ } [البلد: 10] فوصفَ السبيلَ بالشُّكْرِ والكُفْر مجازاً.
والعامَّةُ على كسر همزة "إمَّا" وهي المرادِفَةُ لـ "أو" وتقدَّم خلافُ النَّحْويين فيها. ونقل مكيٌّ عن الكوفيين أنها هنا "إنْ" الشرطيةُ زِيْدَتْ بعدها "ما" ثم قال: "وهذا لا يُجيزه البَصْريُّون؛ لأن "إن" الشرطيةَ لا تَدْخُلُ على الأسماءِ، إلاَّ أَنْ يُضْمَرَ فعلٌ نحو:
{ وَإِنْ أَحَدٌ } [التوبة: 6]. ولا يَصِحُّ إضمارُ الفعلِ هنا؛ لأنه كان يلزَمُ رَفْعُ "شاكراً" وأيضاً فإنَّه لا دليلَ على الفعلِ" انتهى. قلت: لا نُسَلِّمُ أنه يَلْزَمُ رَفْعُ "شاكراً" مع إضمار الفعلِ، ويُمْكِنُ أَنْ يُضْمَرَ فعلٌ يَنْصِبُ "شاكراً" تقديرُه: "إن خَلَقْناهُ شاكراً فشكورٌ، وإنْ خَلَقْناه كافراً فكفُوْرٌ.
وقرأ أبو السَّمَّال وأبو العجاج بفتحها. وفيها وجهان، أحدُهما: أنَّها العاطفةُ، وإنما لغةُ بعضِهم فَتْحُ همزتها، وأنشدوا على ذلك:

4437ـ يَلْفَحُها أمَّا شمالٌ عَرِيَّةٌ وأمَّا صَباً جِنْحَ العَشِيِّ هَبوبُ

بفتحِ الهمزةِ. ويجوزُ مع فتحِ الهمزةِ إبدالُ ميمِها الأولى ياءً. قال:

4438ـ ....................أَيْما إلى جَنَّةٍ أَيْما إلى النارِ

وحَذَفَ الواوَ بينهما. والثاني: أنها أمَّا التفصيليةُ، وجوابُها مقدرٌ. قال الزمخشري: "وهي قراءةٌ حسنةٌ والمعنى: أمَّا شاكِراً فَبِتَوْفِيْقِنا، وأمَّا كفُوراً فبِسُوءِ اختيارِه" انتهى. ولم يذكُرْ غيرَه.