التفاسير

< >
عرض

وَٱلَّيلِ إِذَا يَسْرِ
٤
-الفجر

الدر المصون

وقال مقاتل: "هل هنا في موضع "إنَّ" تقديرُه: إنَّ في ذلك قَسَماً لذي حِجْرٍ، فـ "هل" على هذا في موضع جواب القسم" انتهى. وهذا قولٌ باطلٌ؛ لأنه لا يَصْلُح أَنْ يكونَ مُقْسَماً عليه، على تقديرِ تسليمِ أنَّ التركيبَ هكذا، وإنما ذكَرْتُه للتنبيهِ على سقوطِه. وقيل: ثَمَّ مضافٌ محذوفٌ، أي: وصلاةِ الفجر أو وربِّ الفجر.
والعامَّةُ على عَدَمِ التنوينِ في "الفجر" و "الوَتْر" و "يَسْرِ". وأبو الدينار الأعرابي بتنوين الثلاثةِ. قال ابن خالَوَيْه: "هذا ما رُوي عن بعضِ العرب أنه يقفُ على أواخرِ القوافي بالتنوينِ، وإنْ كان فِعلاً، وإنْ كان فيه الألفُ واللامُ. قال الشاعر:

4558ـ أَقِلِّي اللَّوْمَ عاذِلَ والعتابَنْ وقُولي إنْ أَصَبْتُ لقد أصابَنْ

يعني بهذا تنوينَ الترنُّم، وهو أنَّ العربيَّ إذا أراد تَرْكَ الترنمِ وهو مَدُّ الصوتِ نَوَّن الكلمةَ، وإنما يكونُ في الرويِّ المطلقِ. وقد عاب بعضُهم قولَ النَّحْويين "تنوين الترنم" وقال: بل ينبغي أَنْ يُسَمُّوه بتنوين تَرْكِ الترنُّم، ولهذا التنوينِ قسيمٌ آخرُ يُسَمَّى "التنوينَ الغالي"، وهو ما يَلْحَقُ الرويَّ المقيَّدَ كقولِه:

4559ـ ............. خاوي المخترقْنْ

على أن بعض العروضيين أنكر وجودَه. ولهذين التنوينَيْن أحكامٌ مخالفةٌ لحكمِ التنوينِ حَقَّقْتُها في "شرح التسهيل" ولله الحمد. والحاصلُ أنَّ هذا القارىءَ أجْرى الفواصلَ مُجْرى القوافي فَفَعَلَ فيها ما يَفْعل فيها. وله نظائرُ مَرَّ منها: { ٱلرَّسُولاَ } } [الأحزاب: 66] { { ٱلسَّبِيلاْ } } [الأحزاب: 67] { { ٱلظُّنُونَاْ } [الأحزاب: 10] في الأحزاب. و { ٱلْمُتَعَالِ } في الرعد [الآية: 9]" و "يَسْر" هنا، كما سأبيِّنُه إن شاء الله تعالى. قال الزمخشري: "فإن قلتَ: فما بالُها مُنَكَّرَة مِنْ بين ما أَقْسَمَ به؟ قلت: لأنها ليالٍ مخصوصةٌ مِنْ بينِ جنس الليالي العِشْرِ بعضٌ منها، أو مخصوصةٌ بفضيلةٍ ليسَتْ في غيرها. فإنْ قلتَ: هلاَّ عُرِّفَتْ بلامِ العهدِ لأنها ليالٍ معلومةٌ. قلت: لو قيل ذلك لم تستقلَّ بمعنى الفضيلةِ التي في التنكير، ولأنَّ الأحسنَ أَنْ تكون اللاماتُ متجانِسَةً ليكون الكلامُ أبعدَ من الإِلغازِ والتَّعْمِية". قلت: يعني بتجانسِ اللاماتِ أن تكون كلُّها إمَّا للجنسِ، وإمَّا للعهدِ، والفَرَضُ أنَّ الظاهرَ أن اللاماتِ في الفجر وما معه للجنسِ، فلو جيءَ بالليالي معرفةً بلامِ العهدِ لَفاتَ التجانسُ.
قوله: { إِذَا يَسْرِ }: منصوبٌ بمحذوفٍ هو فعلُ القسم، أي: أُقْسِم به وقتَ سُراه. وحَذَفَ ياءَ "يَسْري" وَقْفاً، وأثبتها وصلاً، نافعٌ وأبو عمروٍ، وأثبتها في الحالَيْنِ ابنُ كثير، وحَذَفَها في الحالين الباقون لسقوطِها في خَطِّ المصحفِ الكريم، وإثباتُها هو الأصلُ لأنها لامُ فعلٍ مضارعٍ مرفوعٍ، وحَذْفُها لموافقةِ المصحفِ وموافقةِ رؤوسِ الآي، وجَرْياً بالفواصلِ مَجْرى القوافي. ومَنْ فَرَّقَ بين حالَتَيْ الوقفِ والوصلِ فلأنَّ الوقفَ محلُّ استراحةٍ. ونَسَبُ السُّرى إلى الليل مجازٌ؛ إذ المرادُ: يُسْرَى فيه، قاله الأخفش. وقال غيره: المرادُ يَنْقُصُ كقوله:
{ إِذْ أَدْبَرَ } } [المدثر: 33]، { { إِذَا عَسْعَسَ } [التكوير: 17].