التفاسير

< >
عرض

وَٱلسَّابِقُونَ ٱلأَوَّلُونَ مِنَ ٱلْمُهَاجِرِينَ وَٱلأَنْصَارِ وَٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً ذٰلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ
١٠٠
-التوبة

الدر المصون

قوله تعالى: { وَٱلسَّابِقُونَ }: فيه وجهان، أظهرهما: أنه مبتدأ، وفي خبره ثلاثة أوجه، أحدُهما ـ وهو الظاهر ـ أنه الجملة الدعائية من قوله: "رضي الله عنهم". والثاني: أن الخبر قوله: "الأوَّلون" والمعنى: والسابقون أي بالهجرة [هم] الأوَّلون مِنْ أهل هذه المِلَّة، أو السابقون إلى الجنة الأولون من أهل الهجرة. الثالث: أن الخبرَ قولُه: { مِنَ ٱلْمُهَاجِرِينَ وَٱلأَنْصَارِ } والمعنى فيه الإِعلام بأن السَّابقين من هذه/ الأمة من المهاجرين والأنصار، ذكر ذلك أبو البقاء، وفي الوجهين الأخيرين تكلُّفٌ.
الثاني من وجهي "السابقين": أن يكون نَسَقاً على { مَن يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ } أي: ومنهم السابقون. وفيه بُعْدٌ.
والجمهورُ على جَرِّ "الأنصار" نسقاً على المهاجرين. يعني أن السابقين من هذين الجنسين. وقرأ جماعة كثيرة أَجِلاَّء: عمر بن الخطاب وقتادة والحسن وسلام وسعيد بن أبي سعيد وعيسى الكوفي وطلحة ويعقوب: "والأنصارُ" برفعها. وفيه وجهان أحدهما: أنه مبتدأ، وخبرُه "رضيَ الله عنهم". والثاني: عطف على "السابقون". وقد تقدم ما فيه فيُحكم عليه بحكمه.
قوله: { بِإِحْسَانٍ } متعلقٌ بمحذوف؛ لأنه حالٌ من فاعل "اتَّبعوهم". وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يرىٰ أن الواوَ ساقطةٌ من قوله: "والذين اتبعوهم" ويقول: إن الموصول صفةٌ لمن قبله، حتى قال له زيد بن ثابت إنها بالواو فقال: ائتوني بأُبَيّ. فأتَوه به فقال له: تصديق ذلك في كتاب الله في أول الجمعة:
{ وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُواْ بِهِمْ } [الآية: 3]، وأوسط الحشر: { وَٱلَّذِينَ جَآءُوا مِن بَعْدِهِمْ } [الآية: 10]، وآخر الأنفال: { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِن بَعْدُ وَهَاجَرُواْ } [الآية: 75]. ورُوِي أنه سمع رجلاً يقرؤها بالواو فقال: مَنْ أقرأك؟ قال: أُبَيّ. فدعاه فقال: أَقْرَأنيه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وإنك لتبيع القَرَظ بالبقيع. قال: صَدَقْتَ وإن شئت قل: شهدنا وغِبْتم، ونَصَرْنا وخَذَلْتم، وآوَيْنا وطَرَدْتم. ومن ثَمَّ قال عمر: لقد كنتُ أرانا رُفِعْنا رَفْعةً لا يَبْلُغها أحدٌ بعدنا.
وقرأ ابن كثير: { تجري من تحتها } بـ"مِنْ" الجارة، وهي مرسومةٌ في مصاحف مكة. والباقون "تحتها" بدونها، ولم تُرْسَمْ في مصاحفهم، وأكثرُ ما جاء القرآن موافقاً لقراءة ابن كثير هنا: { تجري مِنْ تحتها } في غير موضع.