التفاسير

< >
عرض

وَمَا خَلَقَ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ
٣
-الليل

الدر المصون

قوله: { وَمَا خَلَقَ }: يجوزُ في "ما" أَنْ تكونَ بمعنى "مَنْ" وهو رأيُ جماعةٍ تقدَّم ذِكْرُهمْ في السورةِ قبلَها. وقيل: هي مصدريةٌ. وقال الزمخشري: "والقادرُ: العظيمُ القدرةِ الذي قَدَرَ على خَلْقِ الذكَرِ والأنثى من ماءٍ واحدٍ" قلت: قد تقدَّم تقريرُ قولِه هذا وما اعْتُرِضَ به عليه، وما أُجيب عنه، في السورةِ قبلها. وقرأ أبو الدرداء "والذَّكرِ والأنثى" وقرأ عبد الله "والذي خَلَق"، والكسائيُّ ـ ونَقَلها ثعلبٌ عن بعض السَّلَف ـ "وما خَلَقَ الذَّكَرِ" بجرِّ "الذكَرِ" قال الزمخشري: "على أنه بدلٌ من محلِّ "ما خَلَقَ" بمعنى "وما خَلَقَه" أي: ومخلوقِ اللَّهِ الذكَرِ، وجاز إضمارُ "الله" لأنه معلومٌ بانفرادِه بالخَلْق". وقال الشيخ: "وقد يُخَرَّجُ على تَوَهُّم المصدرِ، أي: وخَلْقِ الذَّكرِ، كقوله:

4583ـ تَطُوفُ العُفاةُ بأبوابِه كما طاف بالبَيْعَةِ الراهبِ

بجرِّ "الراهب" على توهُّمِ النطقِ بالمصدر، أي: كطَوافِ الراهبِ" انتهى. والذي يَظْهَرُ في تخريجِ البيت أنَّ اصلَه "الراهبيّ" بياءِ النسَبِ، نسبةً إلى الصفةِ، ثم خُفِّف، وهو قليلٌ كقولِهم: أَحْمري ودَوَّاري، وهذا التخريجُ بعينِه في قولِ امرئ القيس:

4584ـ ................ فَقِلْ في مَقيلٍ نَحْسُه مُتَغَيِّبِ

استشهد به الكوفيون على تقديمِ الفاعلِ. وقرأ العامَّةُ { تَجَلَّىٰ } فعلاً ماضياً، وفاعلُه ضميرٌ عائدٌ على النهار. وعبد الله بن عبيد بن عمير "تَتَجَلَّىٰ" بتاءَيْن، أي: الشمس. وقُرئ "تُجْلي" بضمِّ التاءِ وسكونِ الجيم، أي: الشمسُ ايضاً، ولا بُدَّ من عائدٍ على النهارِ محذوفٍ، أي: تتجلَّىٰ أو تُجْلِي فيه.