التفاسير

< >
عرض

أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ
١
-الشرح

الدر المصون

قوله: { أَلَمْ نَشْرَحْ }: الاستفهامُ إذا دخل على النفي قَرَّره، فصار المعنى: قد شَرَحْنا، ولذلك عَطَفَ عليه الماضي. ومثلُه { { أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً وَلَبِثْتَ } [الشعراء: 18]. والعامَّةُ على جزمِ الحاء بـ"لم" وقرأ أبو جعفر بفتحها. وقال الزمخشري: "وقالوا: لعلَّة بَيَّنَ الحاءَ وأشبعها في مَخْرَجِها، فظنَّ السامعُ أنه فتحها" وقال ابن عطية: "إنَّ الأصلَ: ألم نَشْرَحَنْ" بالنونِ الخفيفةِ، ثم أَبْدَلَها ألفاً، ثم حَذَفَها تخفيفاً، كما أنشد ابو زيد:

4597ـ مِنْ أيِّ يَوْمَيَّ من الموتِ أفِرّْ أيومَ لم يُقْدَرَ أم يومَ قُدِرْ

بفتح راء "لم يُقْدَرَ" وكقولِه:

4598ـ اضْرِبَ عنكَ الهمومَ طارِقَها ضَرْبَكَ بالسيفِ قَوْنَسَ الفَرَسِ

بفتح باء "اضربَ" انتهى. وهذا مبنيٌ على جوازِ توكيدِ المجزومِ بـ لم، وهو قليلٌ جداً، كقولِه:

4599ـ يَحْسَبُه الجاهلُ ما لم يَعْلما شيخاً على كُرْسِيِّه مُعَمَّما

فتتركبُ هذه القراءةُ مِنْ ثلاثةِ أصولٍ كلُّها ضعيفةٌ؛ لأنَّ توكيدَ المجزومِ بـ"لم" ضعيفٌ، وإبدالُها أَلِفاً إنما هو الوقفِ، وإجراءُ الوصلِ مُجْرىٰ / الوقفِ خِلافُ الأصلِ، وحَذْفُ الألفِ ضعيفٌ، لأنه خلافُ الأصلِ. وخَرَّجه الشيخُ على لغةٍ حكاها اللحيانيُّ في "نوادره" عن بعضِ العربِ وهو الجزمُ بـ"لن"، والنصبُ بـ"لم" عكسَ المعروفِ عند الناس، وجعله أَحْسَنَ ممَّا تقدَّم. وأنشد قولَ عائشةَ بنتِ الأعجم تمدح المختار وهو القائمُ بطَلَبِ ثأر الحسين بن علي رضي الله عنهما:

4600ـ قد كادَ سَمْكُ الهُدىٰ يُنْهَدُّ قائمُهُ حتى أتيحَ له المختارُ فانْعَمدا

في كلِّ ما هَمَّ أمضىٰ رأيَه قُدُماً ولم يُشاوِرَ في إقدامِه أحدا

بنَصْبِ راء "يُشاور" وجَعَله محتمِلاً للتخريجَيْنِ.