التفاسير

< >
عرض

سُبْحَانَ ٱلَّذِى أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ إِلَىٰ ٱلْمَسْجِدِ ٱلأَقْصَا ٱلَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَآ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلبَصِيرُ
١
-الإسراء

التسهيل لعلوم التنزيل

{ سُبْحَٰنَ ٱلَّذِىۤ أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ } معنى سبحان تنزه، وهو مصدر غير منصرف، وأسرى وسرى لغتان، وهو فعل غير متعدّ، واختار ابن عطية أن يكون أسرى هنا متعدياً أي أسرى الملائكة بعبده وهو بعيد، والعبد هنا هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وإنما وصفه بالعبودية تشريفاً له وتقريباً { لَيْلاً } إن قيل: ما فائدة قوله ليلاً مع أن السرى هو بالليل؟ فالجواب: أنه أراد بقوله: ليلاً بلفظ التنكير تقليل مدّة الإسراء، وأنه أسرى به في بعض الليل مسيرة أربعين ليلة، وذلك أبلغ في الأعجوبة { مِّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ إِلَىٰ ٱلْمَسْجِدِ ٱلأَقْصَا } يعني بالمسجد الحرام مسجد مكة المحيط بالكعبة، وقد روي في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال: "بينما أنا نائم في الحجر إذ جاءني جبريل" وقيل: كان النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء في بيته، فالمسجد الحرام على هذا مكة أي بلد المسجد الحرام؛ وأما المسجد الأقصى فهو بيت المقدس الذي بإيلياء، وسُمِّيَ الأقصى لأنه لم يكن وراءه حينئذ مسجد، ويحتمل أن يريد بالأقصى الأبعد؛ فيكون المقصد إظهار العجب في الإسراء إلى هذا الموضع البعيد في ليلة، واختلف العلماء في كيفية الإسراء، فقال الجمهور: كان بجسد النبي صلى الله عليه وسلم وروحه، وقال قوم: كان بروحه خاصة وكانت رؤيا نوم حق، فحجة الجمهور؛ أنه لو كان مناماً لم تنكره قريش، ولم يكن في ذلك ما يكذب به الكفار، ألا ترى قول أم هانئ له: لا تخبر بذلك فيكذبك قومك، وحجة من قال: أن الإسراء كان مناماً قوله تعالى: وما جعلنا الرؤيا التي أريناك، وإنما يقال الرؤيا في المنام، ويقال فيما يرى بالعين رؤية، وفي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال: بينما أنا بين النائم واليقظان وذكر الإسراء، وقال في آخر الحديث: فاستيقظت وأنا في المسجد الحرام، وجمع بعض الناس بين الأدلة فقال: الإسراء كان مرتين: أحدهما بالجسد والآخر بالروح، وأن الإسراء بالجسد كان من مكة إلى بيت المقدس، وهو الذي أنكرته قريش، وأن الإسراء بالروح كان إلى السمٰوات السبع، ليلة فرضت الصلوات الخمس، ولقي الأنبياء في السمٰوات { ٱلَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ } صفة للمسجد الأقصى، والبركة حوله بوجهين: أحدهما: ما كان فيه وفي نواحيه من الأنبياء، والآخر: كثرة ما فيه من الزروع والأشجار التي خص الله بها الشام { لِنُرِيَهُ مِنْ آيَٰتِنَآ } أي لنري محمداً صلى الله عليه وسلم تلك الليلة من العجائب، فإنه رأى السمٰوات والجنة والنار وسدرة المنتهى والملائكة والأنبياء، وكلمه الله تعالى حسبما ورد في أحاديث الإسراء، وهي في مصنفات الحديث فأغنى ذلك عن ذكرها هنا.