التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنْسَانَ مِن سُلاَلَةٍ مِّن طِينٍ
١٢
ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ
١٣
ثُمَّ خَلَقْنَا ٱلنُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا ٱلْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا ٱلْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا ٱلْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ أَحْسَنُ ٱلْخَالِقِينَ
١٤
-المؤمنون

التسهيل لعلوم التنزيل

{ وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنْسَانَ } اختلف هل يعني آدم، أو جنس بني آدم { مِن سُلاَلَةٍ مِّن طِينٍ } السلالة: هي ما يسل من الشيء: أي ما يستخرج منه، ولذلك قيل إنها الخلاصة، والمراد بها هنا: القطعة التي أخذت من الطين وخلق منها آدم، فإن أراد بالإنسان آدم: فالمعنى أنه خلق من تلك السلالة المأخوذة من الطين، ولكن قوله بعد هذا { ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً } لا بدّ أن يراد به بنو آدم، فيكون الضمير يعود على غير من ذكر أولاً، ولكن يفسره سياق الكلام، وإن أراد بالإنسان ابن آدم فيستقيم عود الضمير عليه، ويكون معنى خلقه من سلالة من طين: أي خلق أصله وهو أبوه آدم ويحتمل عندي أن يراد بالإنسان الجنس الذي يعم آدم وذريته، فأجمل ذكر الإنسان أولاً ثم فصله بعد ذلك إلى الخلقة المختصة بآدم: وهي من طين، وإلى الخلقة المختصة بذريته. وهي النطفة، فإن قيل: ما الفرق بين من ومن؟ فالجواب على ما قال الزمخشري: أن الأولى للابتداء، والثانية للبيان. كقوله من الأوثان { فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ } يعني رحم الأمّ، ومعنى { مَّكِينٍ }: متمكن وذلك في الحقيقة من صفة النطفة المستقرّة، لا من صفة المحل المستقرّ فيه، ولكنه كقولك طريق سائر: أي يسير الناس فيه، وقد تقدّم تفسير النطفة والمضغة والعلقة في أول الحج { خَلْقاً آخَرَ } قيل: هو نفخ الروح فيه، وقيل: خروجه إلى الدنيا، وقيل: استواء الشباب وقيل على العموم من نفخ الروح فيه إلى موته { فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ } هو مشتق من البركة، وقيل: معناه تقدس { أَحْسَنُ ٱلْخَالِقِينَ } أي أحسن الخالقين خلقاً، فحذف التمييز لدلالة الكلام عليه، وفسر بعضهم الخالقين بالمقدّرين، فراراً من وصف المخلوق بأنه خالق، ولا يجب أن ينفي عن المخلوق أنه خالق بمعنى صانع كقوله: { وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ ٱلطِّينِ } [المائدة: 110] وإنما الذي يجب أن ينفي عنه معنى الاختراع، والإيجاد من العدم، فهذا هو الذي انفرد الله به.