التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ ٱلنَّبِيِّ إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَىٰ طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَـكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَٱدْخُلُواْ فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَٱنْتَشِرُواْ وَلاَ مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي ٱلنَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَٱللَّهُ لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ ٱلْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَٱسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ ذٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تؤْذُواْ رَسُولَ ٱللَّهِ وَلاَ أَن تَنكِحُوۤاْ أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذٰلِكُمْ كَانَ عِندَ ٱللَّهِ عَظِيماً
٥٣
-الأحزاب

التسهيل لعلوم التنزيل

{ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ ٱلنَّبِيِّ إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَىٰ طَعَامٍ } سبب هذه الآية ما رواه أنس "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما تزوج زينب بنت جحش، أوْلم عليها فدعا الناس، فلما طعموا قعد نفر في طائفة من البيت، فثقل ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم، فخرج ليخرجوا بخروجه، ومر على حُجَر نسائه ثم عاد فوجدهم في مكانهم، فانصرف فخرجوا عن ذلك" ، وقال ابن عباس: نزلت في قوم كانوا يتحينون طعام النبي صلى الله عليه وسلم، فيدخلون عليه قبل الطعام فيقعدون إلى أن يطبخ، ثم يأكلون ولا يخرجون، فأمروا أن لا يدخلوا حتى يؤذن لهم، وأن ينصرفوا إذا أكلوا، قلت: والقول الأول أشهر، وقول ابن عباس أليق بما في الآية من النهي عن الدخول حتى يؤذن لهم، فعلى قول ابن عباس في النهي عن الدخول حتى يؤذن لهم، والقول الأول في النهي عن القعود بعد الأكل، فإن الآية تضمنت الحكمين { غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ } أي غير منتظرين لوقت الطعام، والإنا الوقت، وقيل: إنا الطعام نضجه وإدراكه، يقال أنى يأنى إناء { وَلَـكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَٱدْخُلُواْ } أمر بالدخول بعد الدعوة، وفي ذلك تأكيد للنهي عن الدخول قبلها { فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَٱنْتَشِرُواْ } أي انصرفوا، قال بعضهم: هذا أدب أدّب الله به الثقلاء { وَلاَ مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ } معطوف على غير ناظرين، أو تقديره: ولا تدخلوا مستأنسين، ومعناه النهي عن أن يطلبوا الجلوس للأنس بحديث بعضهم مع بعض، أو يستأنسوا لحديث أهل البيت، واستئناسهم: تسمعهم وتجسسهم { إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي ٱلنَّبِيَّ } يعني جلوسهم للحديث أو دخولهم بغير إذن { فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ } تقديره يستحي من إخراجكم، بدليل قوله: { وَٱللَّهُ لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ ٱلْحَقِّ }: أي أن إخراجكم حق لا يتركه الله.
{ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَٱسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ } المتاع الحاجة من الأثاث وغيره، وهذه الآية نزلت في احتجاب أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وسببها ما رواه أنس من قعود القوم يوم الوليمة في بيت زينب، وقيل:
"سببها أنّ عمر بن الخطاب أشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يحجب نساءه، فنزلت الآية موافقة لقول عمر" ، قال بعضهم لما نزلت في أمهات المؤمنين { وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَٱسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ } كن لا يجوز للناس كلامهن إلا من وراء حجاب، ولا يجوز أن يراهن متنقبات ولا غير متنقبات، فخصصن بذلك دون سائر النساء { ذٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ } يريد أنقى من الخواطر التي تعرض للرجال في أمر النساء والنساء في أمر الرجال { وَلاَ أَن تَنكِحُوۤاْ أَزْوَاجَهُ } سببها أن بعض الناس قالوا: لو مات رسول الله صلى الله عليه وسلم لتزوّجت عائشة، فحرم الله على الناس تزوج نسائه بعده كرامة له صلى الله عليه وسلم.