التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُواْ فِي ٱلْمَجَالِسِ فَٱفْسَحُواْ يَفْسَحِ ٱللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ ٱنشُزُواْ فَانشُزُواْ يَرْفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ
١١
-المجادلة

التسهيل لعلوم التنزيل

{ إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُواْ فِي ٱلْمَجَالِسِ فَٱفْسَحُواْ } اختلف في سبب نزول الآية فقيل: نزلت في مقاعد الحرب والقتال، وقيل: نزلت بسبب ازدحام الناس، في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وحرصهم على القرب منه، وقيل: أقام النبي صلى الله عليه وسلم قوماً ليُجلسَ أشياخاً من أهل بدر في مواضعهم، فنزلت الآية. ثم اختلفوا هل هي مقصورة على مجلس النبي صلى الله عليه وسلم أو هي عامة في جميع المجالس؟ فقال قوم إنها مخصوصة ويدل على ذلك قراءة المجلس بالإفراد، وذهب الجمهور إلى أنها عامة ويدل على ذلك قراءة المجالس بالجمع، وهذا هو الأصح ويكون المجلس بالإفراد على هذا للجنس، والتفسيح المأمور به هو التوسع دون القيام ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يقم أحد من مجلسه ثم يجلس الرجل فيه، ولكن تفسحوا وتوسعوا" وقد اختلف في هذا النهي عن القيام من المجلس لأحد هل هو على التحريم أو الكراهة { يَفْسَحِ ٱللَّهُ لَكُمْ } أي يوسع لكم في جنته ورحمته { وَإِذَا قِيلَ ٱنشُزُواْ فَانشُزُواْ } أي إذا قيل لكم: ارتفعوا وقوموا فافعلوا ذلك، واختلف في هذا النشوز المأمور به فقيل: إذا دعوا إلى قتال أو صلاة أو فعل طاعةٍ، وقيل: إذا أُمروا بالقيام من مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنه كان يحب الانفراد أحياناً، وربما جلس قوم حتى يؤمروا بالقيام، وقيل: المراد القيام في المجلس للتوسع.
{ يَرْفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ دَرَجَاتٍ } فيها قولان أحدهما: يرفع الله المؤمنين العلماء درجات فقوله: { وَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ دَرَجَاتٍ } صفة للذين آمنوا كقوله: جاءني العاقل الكريم، وأنت تريد رجلاًَ واحداً، والثاني: يرفع الله المؤمنين والعلماء الصنفين جميعاً درجات، فالدرجات على الأول للمؤمنين بشرط أن يكونوا علماء، وعلى الثاني للمؤمنين الذين ليسوا علماء، وللعلماء أيضاً ولكن بين درجات العلماء وغيرهم تفاوت يوجد في موضع آخر كقوله صلى الله عليه وسلم
"فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب" ، وقوله عليه الصلاة والسلام: "فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم رجلاً" وقوله عليه السلام: "يشفع يوم القيامة الأنبياء ثم العلماء ثم الشهداء" فإذا كان لهم فضل على العابدين والشهداء، فما ظنك بفضلهم على سائر المؤمنين.