التفاسير

< >
عرض

مَّآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ ٱلْقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ كَيْ لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ ٱلأَغْنِيَآءِ مِنكُمْ وَمَآ آتَاكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَٱنتَهُواْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ
٧
لِلْفُقَرَآءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلصَّادِقُونَ
٨
-الحشر

التسهيل لعلوم التنزيل

{ مَّآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ ٱلْقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ } الآية، اضطراب الناس في تفسير هذه الآية وحكمها اضطراباً عظيماً فإن ظاهرها أن الأموال التي تؤخذ للكفار تكون لله وللرسول ومن ذكر بعد ذلك ولا يخرج منها خمس، ولا تقسم على من حضر الوقيعة، وذلك يعارض ما ورد في الأنفال من إخراج الخمس، وقسمة سائر الغنيمة على من حضر الوقيعة، فقال بعضهم: إن هذه الآية منسوخة بآية الأنفال، وهذا خطأ لأن آية الأنفال نزلت قبل هذه بمدة. وقال بعضهم: إن آية الأنفال في الأموال التي تغنم ما عدا الأرض، وأن هذه الآية في أرض الكفار. قالوا: ولذلك لم يقسم عمر بن الخطاب رضي الله عنه أرض مصر والعراق بل تركها لمصالح المسلمين، وهذا التخصيص لا دليل عليه. وقيل غير ذلك، والصحيح أنه لا تعارض بين هذه الآية وبين آية الأنفال، فإن آية الأنفال في حكم الغنيمة التي تؤخذ بالقتال وإيجاف الخيل والركاب، فهذا يخرج منه الخمس ويقسم باقيه على الغانمين، وأما هذه الآية ففي حكم الفيء وهو ما يؤخذ من أموال من غير قتال ولا إيجاف خيل ولا ركاب، وإذا كان كذلك فكل واحدة من الآيتين في معنى غير معنى الأخرى، ولها حكم غير حكم الأخرى فلا تعارض بينهما ولا نسخ، وانظر كيف ذكر هنا لفظ الفيء وفي الأنفال لفظ الغنيمة وقد تقرر في الفقه الفرق بين الفيء والغنيمة، وأن حكمهما مختلف، قاله أبو محمد بن الفرس: وهو قول الجمهور وبه قال مالك وجميع أصحابه وهو أظهر الأقوال.
وأما فعل عمر في أرض مصر والعراق، فالصحيح أنه فعل ذلك لمصلحة المسلمين بعد استطابة نفوس الغانمين بقوله تعالى: { مَّآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ ٱلْقُرَىٰ } يريد بغير قتال ولا إيجاف خيل ولا ركاب كما كانت أموال بني النضير، ولكنه حذف هذا لقوله في الآية قبل هذا: فما أوجفتم عليه من خيل، ولا ركاب، فاستغنى بذكر ذلك أولاً عن ذكره ثانياً، ولذلك لم تدخل الواو العاطفة في هذه الجملة لأنها من تمام الأولى فهي غير أجنبية منها فإنه بيّن في الآية الأولى حكم أموال بني النضير، وبين في هذه الآية حكم ما كان مثلها من أموال غيرهم على العموم، ويصرف الفيء فيما يصرف فيه خمس الغنائم؛ لأن الله سوّى بينهما في قوله: { فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ }، وقد ذكرنا ذلك في الأنفال فأغنى عن إعادته، وقد ذكرنا في الأنفال معنى قوله: لله وللرسول وما بعد ذلك { كَيْ لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ ٱلأَغْنِيَآءِ } أي كيلا يكون الفيء الذي أفاء الله على رسوله من أهل القرى دولة ينتفع به الأغنياء دون الفقراء، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم أموال بني النضير على المهاجرين فإنهم كانوا حينئذ فقراء، ولم يعط الأنصار منها شيئاً، فإنهم كانوا أغنياء فقال بعض الأنصار: لنا سهمنا من هذا الفيء فأنزل الله هذه الآية، والدولة بالضم والفتح ما يدول الإنسان أي يدور عليه من الخير، ويحتمل أن يكون من المداولة، أي كي لا يتداول ذلك المال الأغنياء بينهم ويبقى الفقراء بلا شيء.
{ وَمَآ آتَاكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَٱنتَهُواْ } نزلت بسبب الفيء المذكور: أي ما أتاكم الرسول من الفيء فخذوه، وما نهاكم عنه فانتهوا، فكأنها أمر للمهاجرين بأخذ الفيء ونهي للأنصار عنه، ولفظ الآية مع ذلك عام في أوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم أو نواهيه، ولذلك استدل بها عبد الله بن مسعود على المنع من لبس المحرم المخيط ولعن الواشمة والواصلة في القرآن لورود ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
{ لِلْفُقَرَآءِ } هذا بدل من قوله: { وَلِذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ } ليبين بذلك أن المراد المهاجرين، ووصفهم بأنهم أخرجوا من ديارهم وأموالهم؛ لأنهم هاجروا من مكة وتركوا فيها أموالهم وديارهم.