التفاسير

< >
عرض

وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلْبُرُوجِ
١
وَٱلْيَوْمِ ٱلْمَوْعُودِ
٢
وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ
٣
قُتِلَ أَصْحَابُ ٱلأُخْدُودِ
٤
-البروج

التسهيل لعلوم التنزيل

{ وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلْبُرُوجِ } البروج هي المنازل المعروفة وهي اثنا عشر، تقطعها الشمس في السنة، وقيل: هي النجوم العظام، لأنها تتبرج أي تظهر { وَٱلْيَوْمِ ٱلْمَوْعُودِ } هو يوم القيامة، باتفاق، وقد ذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
{ وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ } يحتمل الشاهد والمشهود أن يكون من الشهادة على الأمر، أو يكون من معنى الحضور، وحذف المعمول وتقديره: مشهود عليه أو مشهود به أو مشهود فيه.
وقد اضطرب الناس في تفسير الشاهد والمشهود اضطراباً عظيماً، ويتلخص من أقوالهم في الشاهد ستة عشر قولاً: يقابلها في المشهود اثنان وثلاثون قولاً، الأول: أن الشاهد هو الله تعالى لقوله
{ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً } [النساء: 79، 166، الفتح: 28]؛ والمشهود على هذا يحتمل ثلاثة أوجه: أحدها أن يكون الخلق بمعنى أنه يشهد عليهم، والآخر أن تكون الأعمال بمعنى أنه يشهد بها، والثالث أن يكون يوم القيامة، بمعنى أنه يشهد فيه أي يحضر للحساب والجزاء، أو تقع فيه الشهادة على الناس، القول الثاني: أن الشاهد محمد صلى الله عليه وسلم لقوله: { لِيَكُونَ ٱلرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ } [الحج: 78] والمشهود على هذا يحتمل أن يكوم أمته؛ لأنه يشهد عليهم أو أعمالهم، لأنه يشهد بها أو يوم القيامة لأنه يشهد فيه، أي يحضر أو تقع فيه الشهادة على الأمة، القول الثالث: أن الشاهد أمة محمد صلى الله عليه وسلم لقوله: { لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ } [البقرة: 143] والمشهود على هذا سائر الأمم؛ لأنهم يشهدون عليهم لقوله: { وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَّا دُمْتُ فِيهِمْ } [المائدة: 117] أو أعمالهم، أو يوم القيامة. الخامس: أن الشاهد جميع الأنبياء، والمشهود أممهم لأن كل نبيّ يشهد على أمته، أو يشهد القول بأعمالهم أو يوم القيامة؛ لأنه يشهد فيه، القول السادس: أن الشاهد الملائكة الحفظة والمشهود على هذا الناس؛ لأن الملائكة يشهدون عليهم أو الأعمال لأن الملائكة يشهدون بها أو يوم القيامة، أو صلاة الصبح لقوله: { إِنَّ قُرْآنَ ٱلْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً } [الإسراء: 78] القول السابع: أن الشاهد جميع الناس، لأنهم يشهدون يوم القيامة أي يحضرونها، والمشهود يوم القيامة لقوله: { وَذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ } [هود: 103] والقول الثامن: أن الشاهد الجوارح والمشهود عليه أصحابها، لقوله: { يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ } [النور: 24] أو الأعمال؛ لأن الجوارح تشهد بها يوم القيامة؛ لأن الشهادة تقع فيه، القول التاسع: أن الشاهد الله والملائكة وأولوا العلم لقوله: { شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَٱلْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ ٱلْعِلْمِ } [آل عمران: 18] والمشهود به الوحدانية، القول العاشر: الشاهد جميع المخلوقات والمشهود به وجود خالقها وإثبات صفاته من الحياة والقدرة وغير ذلك، القول الحادي عشر: أن الشاهد النجم لما ورد في الحديث: "لا صلاة بعد العصر حتى يطلع الشاهد وهو النجم" والمشهود على هذا الليل والنهار؛ لأن النجم يشهد بانقضاء النهار ودخول الليل، القول الثاني عشر: أن الشاهد الحجر الأسود والمشهود الناس الذين يحجون. القول الثالث عشر: روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الشاهد يوم الجمعة والمشهود يوم عرفة وذلك أن يوم الجمعة يشهد بالأعمال ويوم عرفة يشهده جمع عظيم من الناس، القول الرابع عشر: أن الشاهد يوم عرفة والمشهود يوم النحر قاله علي بن أبي طالب. القول الخامس عشر: أن الشاهد يوم التروية والمشهود يوم عرفة. القول السادس عشر أن الشاهد يوم الاثنين والمشهود يوم الجمعة.
{ قُتِلَ أَصْحَابُ ٱلأُخْدُودِ } الكلام هنا في ثلاثة فصول: الأول: في جواب القسم وفيه أربعة أقوال؛ أحدها: أنه قوله:
{ إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ } [البروج: 12] والثاني أنه: { إِنَّ ٱلَّذِينَ فَتَنُواْ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ } [البروج: 10] وهذان القولان ضعيفان لبعد القسم من الجواب، وثالثها أنه "قتل أصحاب الأخدود" تقديره: لقد قتل ورابعها أنه محذوف يدل عليه "قتل أصحاب الأخدود" تقديره: لقد قتل هؤلاء الكفار كما قتل أصحاب الأخدود، وذلك أن الكفار من قريش كانوا يعذبون من أسلم من قومهم ليرجعوا عن الإسلام، فذكر الله قصة أصحاب الأخدود وعيداً للكفار وتأنيساً للمسلمين المعذبين، الفصل الثاني في تفسير لفظها، فأما "قتل" فاختلف هل هو دعاء أو خبر؟ واختلف هل هو بمعنى القتل حقيقة أو بمعنى اللعن؟ وأما الأخدود فهو الشق في الأرض كالخندق وشبهه، وأما أصحاب الأخدود فيحتمل أن يريد بهم الكفار الذين كانوا يحرقون المؤمنين في الأخدود، أو يريد المؤمنين في الأخدود، أو يريد المؤمنين الذين حرقوا فيه، فيكون القتل حقيقة خبر، أو الأول أظهر. الفصل الثالث في قصة أصحاب الأخدود وفيها أربعة أقوال: الأول ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث طويل معناه: "أن ملكاً كافراً أسلم أهل بلده، فأمر بالأخدود فخدّ في أفواه السكك وأضرم فيها النيران فقال: من لم يرجع عن دينه فألقوه فيها ففعلوا، حتى جاءت امرأة ومعها صبي لها فتقاعست أن تقع فيها فقال لها الغلام: يا أماه اصبري فإنك على الحق" . الثاني أن ملكاً زنى بأخته ثم أراد أن يحلل للناس نكاح الأخوات فأطاعه قوم ومنهم أخذ المجوس ذلك، عصاه قوم فحفر لهم الأخدود فأحرقهم فيه بالنار، القول الثالث أن نبي أصحاب الأخدود كان حبشياً، وأن الحبشة بقية أصحاب الأخدود. القول الرابع أن أصحاب الأخدود ذو نواس المذكور في قصة عبد الله بن التامر التي وقعت السير. ويحتمل أن يكون ذو نواس الملك الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم فيتفق هذا القول مع الأول فإن ذا نواس حفر أخدوداً فأوقد فيه نيراناً وألقى فيها كل من وحد الله تعالى واتبع العبد الصالح عبد الله بن التامر.