التفاسير

< >
عرض

وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُواْ مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ فِي ٱلسَّمَآءِ وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذٰلِكَ وَلاۤ أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ
٦١
-يونس

التفسير الكبير

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُواْ مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ }؛ أي وما تكونُ في أمرٍ من الأمُور، وقال الحسنُ: (مِنْ شَأْنِ الدُّنْيَا وَحَوَائِجِكَ فِيهَا، وَمَا تَتْلُوا مِنْهُ، أيْ مِنَ اللهِ نَازلٍ مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ يُوحَى إلَيْكَ مِنْ سُورَةٍ أوْ آيَةٍ تَقْرَأُ عَلَى أُمَّتِكَ).
والخطابُ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم وأُمَّتُهُ داخلون فيه؛ لأنَّ خطابَ الرئيسِ خطابٌ له ولأتباعهِ، يدلُّ على ذلك قولهُ: { وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً } أي ما تعمَلون أنتم جميعاً يا بَنِي آدمَ عامَّة ويا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ من خيرٍ أو شرٍّ، إلاّ كُنَّا على أمرِكم وتِلاوَتِكم وعمَلِكم شُهوداً إذ تدخلون فيه. قال الفرَّاء: (مَعْنَاهُ يَقُولُ: اللهُ تَعَالَى شَاهِدٌ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ) وَالْمَعْنَى ألاَ يَعْلَمُهُ فَيُجَازِيكُمْ بهِ. والإفَاضَةُ الدخولُ في العملِ، وقال ابنُ الأنباريِّ: (إذ تَنْدَفِعُونَ فِيْهِ) وقال ابنُ عبَّاس: (إذ تَأْخُذُونَ فِيْهِ).
قَوْلُهُ تََعَالَى: { وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ }؛ أي ما يغيبُ وما يبعُد، { مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ }، من وزنِ نَملَةٍ حميراء صغيرةٍ من أعمالِ العباد، { فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ فِي ٱلسَّمَآءِ وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذٰلِكَ } ولا أخفَّ من الوزنِ من الذرَّة، { وَلاۤ أَكْبَرَ }، ولا أثقلَ منه، { إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ }، إلاّ وهو مع علمِ الله تعالى ومكتوبٌ في اللوحِ المحفوظ. والعُزُوبُ البُعْدُ والذهابُ، ويَعْزُِبُ بضمِّ الزاي وكسرِها لُغتان. قَوْلُهُ تَعَالَى: { مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ } أي وَزْنَ ذرَة، ومثقالُ الشيء ما وَازَنَهُ.
قال الفرَّاءُ: (مَنْ نَصَبَ قَوْلُهُ تَعَالَى: { أَصْغَرَ } و{ أَكْبَرَ } فَإِنَّمَا أرَادَ الْخَفْضَ يُتْبعْهُمَا الْمِثْقَالَ وَالذرَّةَ، إلاَّ أنَّهُمَا لاَ يَنْصَرِفَانِ؛ لأنَّهُمَا عَلَى وَزْنِ أفْعَلَ اتِّبَاعُ مَعْنَى الْمِثْقَالِ؛ لأنَّكَ لَوْ لَقِيتَ مِنَ الْمِثْقَالِ مَنْ كَانَ رَفْعاً وَهُوَ كَقَوْلِهِ: مَا أتَانِي مِنْ أحَدٍ عَاقِلٍ وَعَاقلٌ، وَكَذلِكَ: مَا لَكُمْ مِنْ إلَهٍ غَيْرِهِ وَغَيْرُهُ).
وَقِيْلَ: رُفع على الابتداءِ، وخبرهُ { إِلاَّ فِي كِتَابٍ } فمَن قرأ (وَلاَ أصْغَرَ وَلاَ أكْبَرَ) بالنصب فالمعنى: وما يعزبُ عن ربك مِن مثقال ذرَّة، ولا أصغرَ من ذلكَ ولا أكبرَ. ومَن رفع المعنى: وما يعزبُ عن ربكَ مِثقالُ ذرَّةٍ، ولا أصغرُ ولا أكبر.