التفاسير

< >
عرض

وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ
٦
-هود

التفسير الكبير

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا }؛ أي ما من حيوان يدبُّ، قال الزجَّاج: (الدَّابَّةُ اسْمٌ لِكُلِّ حَيْوَانٍ مُمَيِّزٍ وَغَيْرِهِ، ذكَراً كَانَ أوْ أُنْثَى).
وفي الآيةِ بيانُ أن اللهَ عالِمٌ بالقلوب كلِّها، وذلك أنه إذا كان ضَامِناً رزقَ كلَّ دابةٍ في الأرض، فليس يرزقُها إلاّ وهو يعلمُ صغيرَها وكبيرها، من الذرِّ فما فوقَها وما دونَها، وإذا عَلِمَها فقد عَلِمَ مستقرَّها ومستودَعَها، المستقَرُّ موضعُ قَرَارها وهو الموضعُ الذي تَأْوِي إليه، والمستودَعُ هو الموضعُ الذي تُودَعُ فيه، قِيْلَ: إنه الرَّحِمُ، وَقِيْلَ: هو الموضعُ الذي تُدْفَنُ فيه.
وقال قتادةُ ومجاهد: (أمَّا مُسْتَقَرُّهَا فَفِي الرَّحِمِ، وَأمَّا مُسْتَوْدَعُهَا فَفِي الصُّلْب) { كُلٌّ }؛ ذلكَ عندَ اللهِ، { فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ }؛ يعني اللوحَ المحفوظ، والمعنى: أن ذلك ثابتٌ في علمِ الله.
قَوْلُهُ تَعَالَى: { إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ رِزْقُهَا } قال المفسِّرون: فَضْلاً لا وجُوباً، والله تَكَفَّلَ بذلك بفضلهِ. قال أهلُ المعانِي (عَلَى) هاهُنا بمعنى (من)، المعنى: إلاَّ مِنَ الله رزقُها. قَوْلُهُ تَعَالَى: { كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ } أي رزقُ كلِّ دابَّةٍ وأجلُها مكتوبٌ في اللوحِ.
قال ابنُ عبَّاس: (إنَّ مِمَّا خَلَقَ اللهُ تَعَالَى لَوْحاً مَحْفُوظاً مِنْ دُرَّةٍ بَيْضَاءَ، دَفَّتَاهُ مِنْ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ، عَرْضُهُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، كِتَابُهُ نُورٌ وَقَلْبُهُ نُورٌ، يَنْظُرُ اللهُ تَعَالَى فِيْهِ كُلَّ يَوْمٍ ثَلاَثَمِائَةٍ وَسِتِّينَ نَظْرَةً، يَخْلُقُ بكُلِّ نَظْرَةٍ وَيُحْيي وَيُمِيتُ وَيُعِزُّ وَيُذِلُّ وَيَفْعَلُ مَا يَشَاءُ)، قال أبو رَوقٍ: (أعْلاَهُ مَعْقُودٌ بالْعَرْشِ، وَأسْفَلُهُ فِي حِجْرٍ مَلَكٍ كَرِيمٍ يُسَمَّى مَاطُوتُون).