التفاسير

< >
عرض

وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ ٱلزَّاهِدِينَ
٢٠
-يوسف

التفسير الكبير

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ }؛ أي بَاعوهُ أخوتهُ من مالكِ بن ذعْرٍ بعشرِينَ دِرهَماً، فأصابَ كلٌّ منهم دِرهَمين فلم يأخُذْ يهُودَا نصيبَهُ، وأخذهُ الباقون، وقال الضحَّاكُ: (بَاعُوهُ باثْنَي عَشَرَ دِرْهَماً). وقال ابنُ عبَّاس: (مَعْنَى قَوْلِهِ { بِثَمَنٍ بَخْسٍ } أيْ بثَمَنٍ حَرَامٍ؛ لأنَّهُ سَمَّى الْبَخْسَ حَرَاماً، وَسَمَّى الْحَرَامَ بَخْساً؛ لأنَّهُ لاَ بَرَكَةَ فِيْهِ). وقال الكلبيُّ: (بَاعُوهُ باثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ دِرْهَماً). وقولهُ تعالى: { مَعْدُودَةٍ } أي قليلةٍ، وذِكْرُ العددِ عبارةٌ عن القلَّة.
قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ ٱلزَّاهِدِينَ }؛ أي لم يكُن لَهم فيه رغبةٌ ولا في ردِّهِ على أبيهِ، ولم يعلَمُوا منْزِلتَهُ من اللهِ تعالى، يعني: أنَّ إخوةَ يوسُفَ كانوا في يوسف من الزَّاهدِين؛ لأنَّهم لم يعرِفُوا كرامتَهُ على اللهِ تعالى. وَقِيْلَ: كانوا في يُمْنِهِ من الزَّاهدين أن عرضهم أن يُغَيِّبُوهُ عن أبيهِ، وكتَمَ يوسفَ شأنه مخافةَ أن يقتلَهُ إخوتهُ، و{ وَشَرَوْهُ } أي باعوهُ، قال الشاعرُ:

وَشَرَيْتُ بُرْداً لَيْتَنِي مِنْ بَعْدِ بُرْدٍ كُنْتُ هَامَهْ

أي بعتُ بُرْداً وهو غلامهُ.
ثم انطلقَ مالك بن ذُعْر وأصحابهُ بيُوسُفَ ومعهم إخوتهُ يقولون: استَوثِقُوا منه فإنه آبقٌ سارقٌ كاذب، وقد بَرِئْنَا إليكم من عُيوبهِ. فحمله مالِكُ بن ذُعر على ناقتهِ وسارَ به نحو مِصْرَ، وكان طريقُهم على قبرِ أُمهِ، فلما بلغَ قبرَ أُمه أسقطَ نفسه من الناقةِ وهو يبكِي ويقولُ: يا أماهُ ارفَعِي رأسَكِ من الثَّرى، وانظُرِي إلى ولدكِ يوسفَ وما لَقِيَ بعدَكِ من البلايَا، يا أماهُ لو رأيتِي ضَعفِي ودُلِّي، يا أماه لو رأيتِني، نزَعُوا قميصي وشدُّونِي، وفي الْجُب ألقونِي وعلى حرِّ وجهي لطَمُونِي، وبالحجارةِ رجَمونِي.
ثم فقدَهُ مالك بن ذُعر فصاحَ في القافلةِ: ألاَ إنَّ الغلامَ رجعَ إلى أهلهِ، فطلبوهُ فوجدوه، فقال له رجلٌ منهم: يا غلامُ قد أخبَرَنا مواليكَ أنكَ آبقٌ سارقٌ، فلم نصدِّقْ حتى رأيناكَ، فقال: واللهِ ما آبقْتُ، ولكنَّكم مرَرتُم على قبرِ أُمِّي، فلم أتَمالَكْ أن رميتُ نفسي عليه، فرفعَ يده فلطَمَ وجهَهُ حتى حمله على ناقتهِ.
وذهَبُوا به حتى قَدِمُوا مصرَ، فأمرَهُ مالك بن ذُعر حتى اغتسلَ ولَبسَ ثَوْباً حَسَناً، وعرضَهُ على البيعِ، فاشتراهُ قطفيرُ بن رُوَيحِب لامرأته، قال وهب: (تَرَافَعَ النَّاسُ فِي ثَمَنِهِ وَتَزَايَدُواْ حَتَّى بَلَغَ ثَمَنُهُ وَزْنَهُ مِسْكاً وَوَرِقاً، فابتاعَهُ قطفيرُ بهذا الثمنِ وأتى به إلى منْزِله).